ليس من باب المُصادفة أن كثيراً من الَّذين انتهى بهم المطاف في صفوف الجماعات الإرهابية، كانوا أصحاب سوابق وخريجي سجون و«بلطجية»، لأنهم كانوا يبحثون عن وسيلة لتفريغ القوة المكبوتة في أعماقهم، وتصريف ما فاضَ منها، وبدلاً من تفريغها في بلدانهم يُفرغونها في معارك خارج حدودهم، يقاتلون فيها من أجل الغنائم، وممارسة النكاح «الحلال» مع السبايا، ومن أجل مشاهدة الرؤوس وهي تتدحرج بعد قطعها بالسيوف، والدماء وهي تتدفق من الأجساد كماء نافورة!

الإرهابيون لم يخرجوا من كهوف العصور الغابرة، بل جاؤونا من الأمكنة المفتوحة المضاءة للعولمة، الأمكنة التي على الرغم من سعتها لا تحتضنهم، أو لا يستطيعون امتلاكها.. هنا تستحوذ عليهم نزعة أن ينالوا كل شيء لأجل قتله وتدميره.. إنها شيزوفرينيا الإرهاب، وشيزوفرينيا العولمة. وبذا فإن هوية الإرهابي هي في وجه منها ضيّقة مغلقة، وفي الوجه الآخر سائبة، مفتوحة، هلامية.

الإرهاب الإسلاموي بقدر ما هو نتاج عَرَضي لعصر العولمة هو صورته الشوهاء.. الإيديولوجيا الجهادية السلفية ليست سلفية بالكامل، إنها نتاج تكييف مع عناصر في عالمنا المعولم.. نزعة التدمير تنشأ من هنا.. يظن الإرهابي أنه يستعير كثيراً من أصل المعتقد القديم، لكنه في الحقيقة يصوغ معتقداً مغايراً متساوقاً مع مكانه المتخيل.. هذا الإرهاب هو نوع من العودة إلى مشاعية مبتذلة، خطرة، مشاعية فقدان المعنى والحدود والقيم، مشاعية الكراهية والانتقام.. ليس الانتقام من الآخر المختلف فقط وإنما الانتقام من العالم قبل ذلك.

ولكن الإرهاب الإسلاموي تحوّل إرهاب دول وجماعات، وباتت منهجية هذا الإرهاب منطلقاً للحديث عن فكرة الدولة الغائبة، وعن ظاهرية النص، وهو ما يستدعي شرعنة لتبرير «الإرهاب المقدس» أي إرهاب العدو والمختلِف، وإخضاعه، والتعاطي معه وفق أصول الفتاوى في ذهنية التحريم، والقائمة على المنع والقطع، وعلى الإقرار بفكرة البيعة والطاعة.

لكن أخطر ما يمكن أنْ يتمثّله هذا الإرهاب يكمن في ذاكرته الدامية، وفي تحوّله قوة راسخة مهللة للموت الجهادي، وللطقوس العبادية والميثولوجية التي ترافقه، والتي تتبدّى عبر علامات التعالي، والسيطرة والإخضاع، ولتوكيد علامات المكوث والنفير والشهادة.

إن أي قراءة سوسيوثقافية للإرهاب ستكشف عن تداعيات خطيرة على مستوى الفكر، كما على مستوى الدولة والمجتمع، وهو ما يمكن رؤيته في فيلم برتقالة آلية ـ 1971 .. لستانلي كوبريك – يعمل أليكس مالكولم ماكدويل – بعد أن حُكم عليه بالسجن 14 عاماً إثر تسببه بمقتل امرأة – مساعداً لقسيس السجن، وتُتاح له فرصة قراءة الكتاب المقدَّس ، الذي، يتأثر به! لكن حين نعرف بماذا تأثَّر تحديداً، وما الذي أحبَّه هذا الشاب – التوَّاقُ إلى العنف والدم – في الكتاب المقدَّس، يُعرَفُ السبب ويَذهبُ العجب.

أثناء قراءته لـ الكتاب المقدَّس تجتاح أليكس موجة من الخيالات، يستلهمُهَا مما يقرأه من قصصه، لكن بدلاً من التأثر بـ«إنسانية» المسيح، ودعوته للخير والمحبة والتسامح، يتصوَّر نفسه جندياً في إحدى معارك «العهد القديم»، وبقصص اليهود وهم يجّزون الأعناق، ويشقون البطون، ويتلذذون بـ«جمالية» الدم، ومعاشرة وصيفات زوجاتهم.