حتى الساعة، لم تعط الإشتباكات في مدينة القامشلي، في محافظة الحسكة السورية، بين قوات الدفاع الوطني المقربة من الحكومة والقوات الكردية الموالية لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، الأهمية اللازمة، بالرغم من تداعيات نتائجها على مستقبل النظام السياسي في البلاد، لا سيما بعد أن أعلن الأكراد نيتهم التوجه نحو تشكيل فيدرالية في الشمال تشمل المحافظة المذكورة، الأمر الذي دفع بالجيش إلى نقل تعزيزات إليها، من أجل العمل على تهدئة الأوضاع والحفاظ على وجود مؤسسات الدولة فيها، في وقت كان من المفترض به أن تبقى الأنظار متوجهة نحو محاربة الجماعات الإرهابية، خصوصاً تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة".
منذ أشهر طويلة، كان هناك شبه إتفاق غير رسمي بين الحكومة والأكراد على إدارة الأمور في محافظة الحسكة، لكن على ما يبدو لم يعد من الممكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، نظراً إلى أن تدعيم بناء الدولة الفيدرالية الجديدة، يتطلب "تطهير" أراضيها من معالم تواجد الحكومة المركزية، وحكماً يأتي على رأسها المؤسسات الأمنية التي تمثل قوة وقدرة الدولة على فرض نفوذها وهيبتها، الأمر الذي أدى إلى إعادة تفجير الخلافات السابقة على نحو غير مسبوق.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحسكة تمثل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الدولة السورية، لا تتوقف فقط عند موقعها الجغرافي الإستراتيجي، بل تشمل أيضاً دورها في تدعيم الإقتصاد الوطني، لا سيما أنها تضم ثروات طبيعية هامة، فهي تأتي في المرتبة الرابعة على مستوى ناتجها المحلي، وتلفت إلى أن هذا الواقع هو الذي أدى إلى إصرار الحكومة على منع سقوطها بأيدي الجماعات الإرهابية المتطرفة، حيث عمدت عند كل تهديد إلى إرسال تعزيزات ضخمة من أجل الدفاع عنها، وتؤكد أن هذه المصلحة لا تزال قائمة حتى الساعة، وبالتالي لا يمكن القول أن القوات الكردية قادرة على طرد الدولة من القامشلي بكل سهولة.في هذا الإطار، تضع المصادر نفسها المعلومات عن نقل 4 آلاف مقاتل من الحرس الجمهوري إلى القامشلي والحسكة، بغرض "الدفاع عن سلامة الأراضي السورية" في حال فكرت "قوات سوريا الديمقراطية" بتحويل المعركة من حرب على الإرهاب إلى مواجهة لفرض سيناريو انفصالي، بالإضافة إلى زيارة قائد الحرس الجمهوري اللواء طلال مخلوف المنطقة من أجل العمل على التهدئة، وتسأل: "هل قرار تحريك هذه الجبهة نابع من القيادة الكردية وحدها أم جاء بطلب من القوى الدولية الداعمة لها؟"، وتدعو إلى التنبه إلى هذه "المغامرة" جيداً لأن تداعياتها ستكون كبيرة جداً، وتشدد على أن محاولات "الإتحاد الديمقراطي" فرض الفيدرالية في شمال البلاد بالقوة لن تنجح، لا سيما أنها باتت تصطدم بالعديد من المعوقات الإقليمية والمحلية.
وفي حين تشدد هذه المصادر على أن الدولة السورية ستضع كل ثقلها في هذه المعركة لمنع تحقيق هذا المخطط، في حال اضطرت إلى المواجهة، نظراً إلى الأهمية التي تكتسبها هذه المحافظة ذات التنوع السكاني الكبير، تشير إلى تجاهل المكون الكردي كل الدعوات التي توجه له للحوار، وتوضح أن الحرص على مشاركته في مؤتمر جنيف الثالث، الذي يبحث مستقبل الأوضاع في البلاد، يأتي من الحكومتين السورية والروسية، على عكس مواقف الدول الأخرى التي تريد إبعاده عنها، بالرغم من أن بعضها يقدم له مختلف أنواع المساعدات، وتحذر من وقوعه بين مطرقة الحكومة وسندان المعارضة، الأمر الذي سيمنعه من تحقيق أي مطالب تذكر.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، لدى "الإتحاد الديمقراطي" رغبة في إستغلال الأوضاع المتوترة على أكثر من صعيد، لتثبيت دعائم الدولة الفيدرالية التي يسعى إليها، لكنها تؤكد أن الأوضاع لن ترسم بهذا الشكل، خصوصاً أن أغلب القوى الإقليمية والدولية تُصر على مبدأ وحدة الأراضي السورية، وتوضح أن بعض دول الجوار لا يمكن أن تقبل بأي مشروع إنفصالي، حتى ولو كان مدعوماً من الدول الكبرى، نظراً إلى أن الواقع سوف ينعكس سريعاً على أوضاعها الداخلية، وبالتالي هي تتوقع أن تكون هناك مواجهات شرسة في حال أصر الأكراد على إبعاد الهيئات والمؤسسات التي تمثل الدولة عن المدينة.
في المحصلة، لا تُبشر الأوضاع في القامشلي بالخير، حيث الأجواء توحي بأن معركة كبرى قد تقع في أي لحظة، لكن الأكيد أن الصورة التي ستكون عليها المدينة ستلعب دوراً بارزاً في رسم مستقبل نظام البلاد السياسي.