التمسّك بـ"الماركسية الليننية"، والاطاحة بخالد حدادة الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني ليسا الانجاز الوحيد للمؤتمر الحزبي الـ11 ، الذي تنتهي اعماله رسمياً اليوم بتتويج القيادي النقابي حنا غريب اميناً عاماً للحزب برغبة قيادية وجماهيرية عارمة، افضت الى تعديل بعض قواعد الانتخاب و"الحقوق" لناحية مدة الولايات المتتابعة التي يحق للامين العام ان يتولاها واقتصرت على اثنتين. وربما لو قيّد لخالد حدادة او قيادي شيوعي آخر ان يستأثر بالقيادة على مدى الحياة على غرار معظم رؤساء احزابنا التوتاليتارية اللبنانية، لكان فعل، ولو كان ينص نظام الحزب على التوريث لكان فعل ايضاً.

المأزق الذي وصل اليه الحزب الشيوعي اللبناني هو نفسه مأزق الاتحاد السوفياتي قبل 3 عقود من الزمن، انتفاخ في الهرم وضمور في القاعدة. فالمسؤول هو ولي الامر على ثروات الحزب والناس والشعب وينعم بها ويستأثر بها ويقرر العداوة مع من يريد والصلح مع من يريد، ويقود البلاد اذا كانت برأس واحد او حزب واحد، نحو الهاوية بشعارات لم يطبقها مؤسس الشيوعية نفسه، ولم يجد لها المنظّرون مكاناً للتطبيق رغم انه صمد في "روسيا الكبرى" او الاتحاد السوفياتي العظيم ما يرنو من 7 عقود. والمفارقة ان التجربتين الشيوعيتين بنسختيهما الصينية والكورية الشمالية لا تزالان مستمرتين حتى الآن مع تسجيل الفوارق الكبرى بينهما رغم ان الاولى "وصية" على الثانية. فالصين او الاحمر التنين النائم الذي بدأ يستيقظ على اكثر من صعيد اقتصادي وصناعي وانتاجي وانمائي، حتى باتت الصين الدولة الاكبر في العالم لجهة القدرات الاقتصادية بالاضافة الى خزانها البشري الضخم. فأسواق الصين اجتاحت حتى اميركا ام التكنولوجيا واغرقتها. وتحولت كل صناعتها الاميركية الى خبرات، وايد ومصانع صينية مع الاحتفاظ بـ"سر" التكنولوجيا او الشرائح الدماغية الالكترونية التي تخترعها اميركا وتنسخها الصين على حد ما يصف خبير في هذه المجالات.

الفشل الماركسي ليس فقط فشلاً في المبادىء العصية على التطبيق حيناً ،والانحراف عن تطبيقها حيناً آخر. لذلك دخل الحزب الشيوعي اللبناني دوائر الاحتضار منذ العام 1990 وانتهاء دوره كتنظيم مسلح على الاراضي اللبنانية على غرار التنظيمات المسلحة الاخرى، واتجه نحو العمل السياسي، لكنه لم ينجح حتى الآن في تكريس حضوره نيابياً ووزارياً او في الادارات العامة. رغم القواعد الشعبية والكوادر الحزبية المنتشرة من حدود فلسطين المحتلة الى حدود سورية، فيما الى اليوم لم يستثمر هذا الحضور في كل المرافق.

لا تكاد تخلو تظاهرة عمالية او نقابية او مطلبية من بصمة الشيوعي اوايديه وارجله. فميزة الشيوعي انه دائم الحركة والنشاط ويحمل الهمّ الاجتماعي والاقتصادي الى كل المحافل، وله الاولوية على كل شيء. وهذا الهمّ اثبت جدواه ونجاعته، اذ تمكن حنا غريب النقابي النشيط والمشاكس من قلب الطاولة على الاحزاب في ملف انتخابات نقابة الاساتذة الثانويين، والسبب ليس كما يروج غريب بل ان التيار الوطني الحر تشاور مع حزب الله الذي تشاور مع امل فرفضت الاخيرة شخصية غريب لمنصب النقيب وقبلت بالعضوية بعدما تمادى الاخير في شتم "السلطة" والرئيس نبيه بري وتمادى في ذلك كما يؤكد "الحركيون"، كما نجح غريب في قلب طاولة الشيوعي باقتناع اللجنة المركزية للحزب بشخصه لاقيادي والحامل للهم الاقتصادي والاجتماعي.

ولغة الشتم والسباب وغياب الرؤية هي التي ميّزت ممارسات خالد حدادة خلال توليه امانة الشيوعي مرتين. فكان يدعو الى احتفال ما بمناسبة ما كل الاحزاب المنضوية في تحالف 8 آذار التي يعتبرها صديقة ويبدأ بتناولها بـ"الجملة" على المنبر ومن خلال الخطاب الذي كان يحمل باستمرار على مكونات السلطة التي يشكل بعض هذه الاحزاب جزءا منها. ما كان يدفع ممثلي هذه الاحزاب الى المغادرة، وهي حدثت للمفارقة مع مندوب احد الاحزاب الذي غادر 3 مرات متتالية احتفالات للشيوعي وكان الخطيب فيها حدادة.

الاصرار على "الوسطية" و"عدم الانحياز" الى صفوف لا 8 ولا 14 آذار، دفعت بحدادة والشيوعي الى انتهاج سياسة بـ"القطعة" مع احزاب 8 آذار وحزب الله، كما انه رفض ان ينضوي في تحالف 8 آذار ورفض كل محاولات التقارب التي اجريت من قبل 8 آذار مع حدادة شخصياً، وآخر هذه المحاولات قبل ثلاثة اشهر من المؤتمر الحالي للشيوعي.

الترحيب بغريب في صفوف الاحزاب المقاومة وصاحبة النهج العروبي والوطني والقومي، ينطلق من التمني بإنطلاقة جديدة للحزب الشيوعي وبترتيب البيت الاحمر الداخلي، وان ينسى غريب كل رواسب الماضي من حدادة وشرذمة الشيوعي والامعان في ترهيل قدراته وضمور مبادئه وممارساته. الى نسيان معركة الانتخابات النقابية، وان يتصرف كأمين عام لحزب يحتاج الى رؤية سياسية جديدة بنظام سياسي جديد وممارسة انفتاحية جديدة وورقة عمل تليق بالتطورات الحالية والى فريق جديد شاب وطموح ويمكنه نقل الحزب الى مصاف الاحزاب الكبرى واعادة امجاده السابقة في دعم الثورة الفلسطينية والمقاومة الوطنية. فـ"جمول" هي في كل رصاصة تنطلق اليوم ضد المشروع الاميركي- الصهيوني- التكفيري.