لم تكن مفاجئة المواجهات التي شهدتها تركيا في اليومين الأخيرين، بين أنصار بقاء دستور الدولة علمانياً، ومحاولة حزب العدالة والتنمية، بقيادة الثنائي أردوغان ـ أوغلو، جعله دينياً. لم تكن مفاجئة بل جاءت بعد الخطاب الموجّه للرئيس التركي في افتتاح المؤتمر الإسلامي الذي عقد في اسطنبول 14 ـ 15 نيسان وأعلن فيه تحدّثه باسم مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم، وهو نفسه كان ردّ في العام 2013، وبنبرة جافة على سؤال صحافية «إن كان علينا تعديل القوانين فسنعدّلها».

جاء خطاب أردوغان استعداداً للدور الكبير الذي ستلعبه تركيا مستقبلاً في الخريطة الجيوسياسية الجديدة التي يُراد لها أن تُرسم لمنطقة الشرق الأوسط، وفي تناغم واضح مع المشاريع، المذهبية والطائفية والعرقية، التي بدأت تتضح معالمها مع دعوة الكيان الصهيوني إلى يهودية الدولة، وقد جاء العدوان على سورية منذ خمس سنوات في هذا الإطار.

ليست حكاية المواجهة بين الإسلاميين والعلمانيّين ضحية ساعتها، بل هي بدأت منذ أن أجاز البرلمان التركي في شباط 2010، التعديلات الدستورية التي ألغت الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات والمعاهد التعليمية العليا. وقد جاء رد المحكمة الدستورية العليا في الخامس عشر من آذار من ذلك العام، بالمطالبة بحظر نشاط حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، مثل الصاعقة التي فجّرها المدّعي العام عبد الرحمن يالشينكايا في وجه المجتمع التركي بعد ما اتهم الحزب بأنه تحوّل إلى «بؤرة خطيرة تهدّد العلمانية» في تركيا.

إذاً، فبعد 88 عاماً على تطبيق العلمانية في تركيا، يسعى «العدالة والتنمية» إلى محو إرث مصطفى أتاتورك – مؤسس تركيا الحديثة، وجاءت دعوة رئيس البرلمان التركي، إسماعيل كهرمان، إلى اعتماد دستور ديني في تركيا لعام 2016، إلى وضع هذه المسألة في دائرة الضوء، ودفع زعيم المعارضة كمال كيليتشدار أورغلو إلى مخاطبة كهرمان في تغريدة على حسابه بـ«تويتر»: إن «الفوضى التي تسود الشرق الأوسط هي ثمرة عقليات تقوم، كأمثالكم، بتسخير الدين كأداة سياسية»، مضيفاً في السياق نفسه أن «هدف العلمانية هو تمكين الفرد من ممارسة ديانته بحرية».

لا شكّ في أن فكر أتاتورك العلماني كان نتاج الفلسفة الوضعية الأوروبية، بحيث اتخذ مبدأي الحداثة والعقلانية كما جرى تطويرهما وممارستهما في أوروبا، ومن أجل تكريس مظاهر هذا النظام العلماني أصدر مراسيم عديدة يمكن تحديدها بالتالي:

- إغلاق الزوايا والتكايا الموجودة بالدولة.

- إلغاء كل أنواع الطرق ومشايخها، وإلغاء ألقاب الدرويش والمريد والسيد والبابا والأمير والخليفة، والعرافة، وحظر السحر والتنجيم وكتابة التعاويذ والأحجبة والتمائم.

- حظر استعمال عناوين وصفات وأزياء تدلّ على الطرق الصوفية.

- إغلاق جميع المزارات وقبور السلاطين والأولياء ومشايخ الطرق.

لعلنا نذكر صرخة بيرسان تيمير التي ترأس جمعية نساء الأناضول التي قالت «تحت أعيننا تتحول الجمهورية التركية دولة إسلامية». وتابعت أن «الجمهورية العلمانية كما كنا نعرفها تختفي تدريجياً».

إن أزمة تركيا الأزلية بين العلمنة والإسلام السياسي، تعاود انفجارها من جديد والشارع التركي سيقول كلمته، ولكن على نحو أكبر؟