أثارت استقالة «البروفيسور» أحمد داود أوغلو، رئيس حزب العدالة والتنمية السابق الحاكم في تركيا ومهندس السياسة الخارجية التركية والعقل المدبر لها أيضاً، ضجة كبيرة في أوساط السياسة المحلية في تركيا، وفي محافل السياسة العالمية، ما يشير إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُمسك بخيوط الحزب بيده بالرغم من أنّ الدستور يفرض عليه قطع الصلة بحزبه بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، وهو ما لم يتحقق.

ثمة تجاذبات ساخنة داخل حزب العدالة والتنمية كانت تتفاعل منذ فترة ليست بالقصيرة وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التجاذبات على قيادات الصف الأول كما على قواعد الحزب، وجاء تقديم أوغلو استقالته من رئاسة «العدالة والتنمية» ليدفع بلاد الأناضول إلى أزمة سياسية ستسقط تركيا عاجلاً أم آجلاً بالضربة القاضية، وهي التي تعيش خسارات بالنقاط أمام روسيا منذ أشهر، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي بركات قار بالقول، إنّ هذه الاستقالة جاءت بسبب ممارسة أردوغان لسياسة الشخص الواحد كرئيس لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة ويريد السيطرة على كل شيء، خاصة أنّ حزب العدالة والتنمية أصبح لا يضمّ سوى 5 أعضاء فقط من مؤسّسيه من أصل 50 عضواً مؤسساً وهو ما يشير إلى وجود خلافات كبيرة داخل الحزب، وقد لخّص رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان، المُقرّب من أردوغان، الموقف بالقول إنّ «سيارة يقودها سائقان لا يمكن أن تتحرك إلى الأمام من دون اصطدام. سيقع الحادث حتمًا»، في إشارة إلى الخلاف بين أردوغان وأوغلو.

تطور الوضع بين أردوغان وأغلو بصورة أكبر وأعمق، بعد أن قام أردوغان بسحب صلاحية تعيين رؤساء فروع الحزب في المحافظات من يد رئيس الحزب، من خلال التعديل الذي أقرّته الهيئة المركزية لقيادة الحزب، الأمر الذي اعتبره أوغلو انقلاباً ضده وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

«كن أو لا تكون» مقولة لشكسبير منذ أكثر من 400 عام، كلمتان متناقضتان تعبران عن القوة والضعف، الوجود أو العدم. هذه هي رواية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رموز حزبه «العدالة والتنمية»، فهو تخلص من الرئيس التركي السابق عبد الله غُل، شريكه في تأسيس الحزب، وها هو يتخلص من مستشاره السابق ومهندس السياسة الخارجية التركية والعقل المدبر لها أيضاً رئيس الحكومة، أحمد داود أوغلو، ليبقى الميدان له وحده ويبقى في السلطة إلى ما لا نهاية عبر النظام الرئاسي الذي يسعى إليه والتلويح بأسلمة الدستور والانقلاب على هوية تركيا العلمانية.

سيكون أردوغان شبيهاً بالكاتب الفرنسي يانيك هاينيل الذي انشغل في روايته الحافلة بالكثير من المقولات السياسية، «الثعالب الشاحبة»، انشغل بتقديم التاريخ من وجهة نظر ضحاياه، حتى باتت الرواية هي نفسها مقولة سياسية خطيرة، تسعى إلى تدمير فكرة الانتماء وتُنبئ بانهيارات وجودية ونفسية كبيرة، وهو ما يقوم به أردوغان.

غربان الشؤم بدأت بالتحليق في سماء تركيا، والعدّ العكسي يبدأ بخطوة، في ظلّ استبداد أردوغان المتواصل.