قدّم "حزب العدالة والتنمية" نفسه نموذجاً ناجحاً في إدارته للحكم، وكان يتغنى بمقولة "مشكلات صفر" لوصف علاقاته مع الآخرين، محاولاً الاستفادة من هذا الادعاء من أجل إحكام السيطرة على الدولة والتحكم بسياستها الخارجية، ولريادة العالم الإسلامي بعد "الربيع العربي" وخلال فترة تسلُّم "الإخوان المسلمين" الحكم في مصر، والذي لم يُكتب له الاستمرار بسبب السياسات الخاطئة التي أقدم عليها "الإخوان".

هذا النموذج التركي الأردوغاني بدأت تنكشف أوراقه بعد دخول تركيا في الأزمة السورية، وقد عانى من العديد من المشاكل والأزمات على الصعيدين الداخلي والخارجي.

أما المشكل الداخلية فهي عديدة، منها:

1- الصراع بين "حزب العدالة والتنمية" والأحزاب الأخرى (حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطية، وهي الأحزاب الأربعة التي يتكوّن منها البرلمان) على التعديلات البنيوية في الدستور، ومحاولة "العدالة" إجراء تعديلات دستورية لجعل النظام رئاسياً، وإن كانت هذه المحاولة ليست الأولى، لكن حظوظها أصبحت كبيرة، لأن التعديل يحتاج إما إلى ثلثي أصوات النواب البالغ عددهم 550 نائباً (وهو أمر متعذّر)، أو لعرضه على الاستفتاء بعد موافقة 330 نائباً (317 نواب "العدالة") وهو أمر ممكن مع إعادة الانتخابات، والعمل على إقرار مشروع قانون يرفع به الحصانة عن النواب، ما يسمح بملاحقتهم قضائياً بهدف النيل من المعارضة، وإعادة النظر بمفهوم علمانية الدولة؛ أن تكون علمانية ليبرالية وليست سلطوية، جوهر هذا المفهوم التأكيد على احترام الدولة لحرية المعتقدات.

2- سعي أردوغان لتوسيع مفهوم الإرهاب، ليشمل الصحافيين والناشطين والأحزاب المعارضة، وقمعه للحريات، وإغلاق الصحف التي تعارض سياسته، واعتقال الصحافيين الذين انتقدوا دعم التكفيريين في سورية ونشرهم الوثائق التي تدينه.

3- المشكلة الكردية التي كادت أن تصل إلى خواتيمها، لولا مستجدات الأزمة السورية، وتصنيف أكراد سورية في خانة الإرهاب، واعتبارهم جزءاً من "الحزب العمال الكردستاني" الإرهابي.

4- تعرُّض تركيا لاهتزاز أمني بسبب التفجيرات في العاصمة اسطنبول وفي مناطق أخرى، والتي أعلن "داعش" مسؤوليته عنها، والتي يحمّل النظام المسؤولية في بعض منها لـ"حزب العمال الكردستاني"، كي يستفيد أردوغان منها في شد العصب التركي؛ كما حصل في الانتخابات الأخيرة، ولتمرير بعض التعديلات الدستورية الأساسية.

5- الركود الاقتصادي بعد دخول تركيا في الحرب ضد سورية، والذي أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم 8% في العام 2015، وهبوط سعر العملة التركية.

6- الصراع داخل الحزب الواحد بين أردوغان وداوود أوغلو، الذي كان يعتمد عليه أردوغان في جميع مراحل حكمه، ومع ذلك قام بتقليص دوره في الحزب وحضوره جلسات الحكومة، الأمر الذي أدى إلى إعلان عزوفه عن الترشُّح لرئاسة الحزب في حزيران المقبل، وسعي أردوغان في المقابل لإعطائها لصهره ووزير الطاقة.

أما المشاكل الخارجية، والتي تتعلق بالسياسة الخارجية وعلاقتها بدول الجوار والدول الإقليمية والدولية فهي أيضاً كثيرة، ومنها:

1- دخول تركيا الحرب ضد سورية أوجد لها العديد من المشكلات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وذلك بسبب سوء تقديرها لطبيعة المعركة، والرهان الخاطئ بأن النظام في سورية سيسقط، وكذلك الرئيس الأسد.

2- فتح جبهة ثانية مع روسيا، بعد تعرضها لطائرة "السوخوي" الروسية، ودعمها للتكفيريين الذين يشكّلون خطراً كبيراً على روسيا، بحسب تصريحات مسؤوليها.

3- مشكلتها مع مصر بسبب دعمها لـ"الإخوان المسلمين"، ومع السعودية لمنافستها على قيادة العالم الإسلامي.

هذا غيض من فيض المشاكل التي لا يتسع المجال لذكرها، فهل يتواضع أردوغان ويعترف بهذه المشاكل؟ وهل لديه الجرأة ليعترف أمام شعبه بأن سياساته كانت خاطئة، ولا بد من إعادة النظر بها، أم أن حبه للسلطة وحلمه في الإمبراطورية الأردوغانية سيمنعه من ذلك؟

لننتظر ونرَ كيف سيعالج أردوغان هذه المشكلات؛ بالنفس السلطوي أم بالرعاية الأبوية التي تفرض عليه أن يكون حريصاً على مصالح شعبه؟