تبدأ القصة عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتنتهي عنده في كل تطور سياسي يحصل على الساحة اللبنانية، وها هو اليوم يطرح صيغة جديدة للانتهاء من الأزمة الدستورية والسياسية، في البلاد، بعد أن طال الشلل جميع المؤسسات الدستورية.

فهل ستكون طروحاته اليوم خريطة طريق مقبولة لإنقاذ الاوضاع، وانتخاب رئيس للجمهورية، وإجراء انتخابات نيابية؟

تعتقد مصادر سياسية ان بري يريد ان يغسل يديه سلفا من اي فشل للجان المشتركة في التوصل الى صيغة توافقية حول قانون جديد للانتخابات، اضافة الى انها ليست المرة الاولى التي يهدّد فيها، ولم تؤدِّ تهديداته الى أيّ نتيجة، والمثال على ذلك انه استعاض عن اصراره بدعوة الهيئة العامة للاجتماع دون ان يلبّي مطلب القوى المسيحيّة الاساسية بأن يكون ​قانون الانتخاب​ البند الأوّل في الجلسة التشريعية، بدعوة ​اللجان المشتركة​ الى مناقشة اقتراحات القوانين ومشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة، مع العلم ان هذا الملفّ اشبع نقاشا في لجان عدة، وبدل ان يدعو الهيئة العامة لمناقشة جميع القوانين، والتصويت على قانون جديد حتى لو لم يحصل توافق مسبق داخل الهيئة، فضّل تمييع الموضوع في اللجان المشتركة.

وتعتقد هذه المصادر أنّ السّجال الخفي بين رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" الجنرال ميشال عون ورئيس المجلس النيابي يتواصل، وان طروحات برّي الاخيرة ليست سوى حلقة اخرى من حلقات هذا الخلاف، بهدف الإبقاء على قانون الستّين، وأنّ اللعبة الحقيقية يشاركه فيها كل من رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، للإبقاء على القانون المذكور، كي لا يسمح للجنرال عون بالحصول على تمثل صحيح للمسيحيين في المجلس النيابي، وبالتالي الغالبية النيابية التي يعتمد عليها عون في الانتخابات الرئاسية.

وترى المصادر انه في ما يتعلق بفرضيّة التوصل الى قانون انتخابات جديد وربط هذا الامر بتعهد القوى السياسية النزول الى المجلس وانتخاب رئيس، واذا لم يحصل ذلك تتمّ الانتخابات بمن حضر، هي فرضية تختزل احتمالا ضعيفا للتحقق، وربما تحمل في طياتها عنصرًا جديدًا لتعميق الخلافات مع القوى المسيحية، اضافة الى انها بحاجة الى موافقة "حزب الله" الذي لا تشي المؤشرات القائمة حاليا بموافقته على هكذا طرح.

وتوضح المصادر نفسها ان بري يعرف تماما ان صمود القوى المسيحية، اي الاتفاق بين "​القوات اللبنانية​" و"التيار الوطني الحر" كفيل بإجهاض اي محاولة للإبقاء على ​قانون الستين​، تحت اي ظرف من الظروف.

في المقابل، تؤكد المصادر نفسها ان عدم توافق القوى المسيحية الاساس على قانون انتخابات جديد، سيجعلها في موقف يصعب عليها عدم المشاركة في الانتخابات النيابية على أساس القانون الحالي.

وتخشى المصادر من ان تكون ​الانتخابات البلدية​ وخصوصا في بيروت، مدخلا لإعادة تموضع القوى السياسية من جبهتي 8 و14 اذار وتحويله الى صراع مسلم-مسيحي، وعندها تصبح كل الاحتمالات مطروحة، خاصة مع اصرار القوى المسيحية على احترام الميثاقية في التعاطي مع الملفّات، وتطبيق الطائف، ابتداء من اجراء تعديلات عليه، مرورا بصلاحيات رئيس الجمهورية، وهو الامر الّذي ترفضه القوى الاسلامية رفضا باتا لا سيّما "تيار المستقبل" الذي يمثل الغالبية السنيّة.

وبانتظار الانتهاء من الانتخابات البلدية وعودة الحراك السياسي الى الملف الرئاسي وقانون الانتخاب، فإنّ الضبابية لا تزال تُهيمن على مستقبل الاوضاع في لبنان، خصوصًا اذا ما أدت احداث امنية كبيرة الى تراجع القوى الإقليمية والعربية والدولية عن قرارها بالحفاظ على الاستقرار الأمني في لبنان.