لم يكن يتوقع احد ان يرى يوماً الثنائي المعروف في "التيار الوطني الحر" ​نقولا صحناوي​ و​زياد عبس​ يقفان وجهاً بوجه ويتنافسان، بل يتصارعان بين بعضهما. فهذا الثنائي الذي لطالما حسده اللبنانيون واشادوا بانجازاته، وصل اليوم الى الطلاق النهائي، دون ان يكون هناك من امل للعودة او حتى للمصالحة.
المشكلة بدأت مع الانتخابات الحزبية الاولى على رئاسة الحزب، حيث بدأ الافتراق بدعم عبس للنائب الان عون، مقابل دعم صحناوي لخيار رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، اي وزير الخارجية جبران باسيل. يومها، قال عبس ان دائرة بيروت الاولى له، وصحناوي لا يمثل سوى نفسه. بعد انسحاب عون من معركة الرئاسة، حاول عبس فتح قنوات اتصال مع الوزير باسيل، طالباً منه ان يكون نائباً للرئيس، على ان يوقف ما سمّيت يومها بالمعارضة الحزبية، الا ان باسيل رفض المناورة عشية "لقاء الماديسون" الشهير الذي دعا اليه عبس، مقفلاً باب التفاوض، فكانت الرئاسة من حصته، ونائبي الرئيس الوزير السابق نقولا صحناوي للشؤون السياسية، ورومل صابر للشؤون الادارية.
يومها، لم يقم عبس باي خطوة تجاه صحناوي لدعمه في منصبه الجديد، لا بل مرر كلمة سر لانصاره لمهاجمة صحناوي في الاعلام الالكتروني، والتصويب على انه خيار باسيل لكونه الاضعف، فيبقى باسيل الامر الناهي في الحزب. رفض صحناوي يومها الرد على رفيق دربه، خاصة في الاعلام، معتبراً ان الامر شأن داخلي حزبي، وليس للتداول الاعلامي.
بقيت الامور هادئة الى حين تحديد موعد الانتخابات الداخلية الحزبية، يومها اديرت من جديد محركات التفاوض بين عبس وصحناوي، الى ان انتهت بمعركة انتخابية، شكّل قوام لائحة عبس فيها اشخاص كانوا قد شتموا قيادة الحزب على صفحات التواصل الاجتماعي، وبقوا يشتمونها لغاية اليوم، دون ان يمون عليهم عبس بازالة الشتائم بحق العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل.
بعد الانتخابات الداخلية، اتت انتخابات المجلس السياسي التي ترشح عليها عبس، وقد كان قد طلب من مساعد صحناوي ان يعطيه اصوات اعضاء هيئة قضاء بيروت الاولى المحسوبين على صحناوي، فكان رد مساعد صحناوي، "اجلس معهم كما تجلس مع مختلف هيئات الاقضية، وسيصوتون لك"، الا ان عبس رفض ذلك، متوعداً انه ان لم ينل الاصوات الستة، سيكون له كلام اخر في اليوم التالي. وبالفعل، لم يجلس عبس مع اعضاء الهيئة، ولم يأخذ اصواتهم، فعلت داخل جلسة الانتخابات اصوات التهديد والوعيد، محملين صحناوي مسؤولية خسارة عبس التي اتت مفاجئة لماكينته الانتخابية التي كانت تضمن الفوز.
اما مع دخول لبنان زمن ​الانتخابات البلدية​ والاختيارية، فوّضت القيادة الحزبية الوزير نقولا صحناوي ادارة المفاوضات باسم "التيار" مع مختلف القوى السياسية في بيروت، لا سيما حزب "القوات اللبنانية"، وهنا طالب عبس، عبر منسق هيئة القضاء ان يكون له حصة في اختيار المرشحين، وقد عاد وقال: "الأيام العشرة الأخيرة تحدد ردة فعلي"، وبالفعل، بدأ عبس بانشاء ماكينة انتخابية داخل مكتبه، خلافاً للاصول، مظهراً للعلن انشاء حزب خاص داخل حزب "التيار الوطني الحر" وبدأ بالاتصال بالناخبين، موزّعاً عليهم اسماء عديدة، وذلك بهدف تشويش ذهنهم، كما قام بعقد اتفاقات عدة مع اطراف منافسة للتيار بغية تبادل اصوات في ما بينهم، في حين كان صحناوي يدير المفاوضات ويضع منسق الهيئة في اخر المستجدات. ومع اقتراب الحسم، اعترف منسق هيئة بيروت ان لعبس ماكينة انتخابية سرية تتعارض مع التيار، مؤكداً على قدرته ان يوقفها في حال تم ارضاء عبس بمختار.
وخلال اعلان اسماء المرشحين، اتصل صحناوي بمنسق هيئة القضاء وابلغه بالتوجه، ولم يعارض الاخير، الى لحظة الوصول الى اسم المرشح الماروني في الرميل، وقال "ساعود اليكم بالجواب" اذ انه لم يكن صاحب القرار بذلك، بل عبس. ومع اختيار الاسماء، وقع الخيار على رالف بستاني ليكون المرشح عن المقعد الماروني في الرميل، فاعترض المنسق، قائلاً "فلنأت اما بفادي ناكوزي واما بايلي نصار، فهم اكبر بالعمر ولديهم الخبرة"، وذهب لحدّ القول أنّ الجنرال "ما خصو يفوت بالاسامي" رداً على قول ان العماد عون طالب ان يكون بستاني من حصته. وخلال ساعات الليل، انسحب بستاني لصالح ناكوزي، فثار غضب عبس وبدأ الهجوم العلني على صحناوي لأنّه اراد لنصار ان يكون المرشح الرسمي، ما يعني ان مناورة المنسق كانت خدعة بانه يقبل اما بناكوزي او بنصّار، بسبب تعليمات عبس فرض نصار باي شكل.
والمفارقة ان عبس لم يكن جاهزاً للمعركة، فهو قد بدأ بالاتصال من مكتبه بالناخبين، محاولاً اظهار انقسامات في التيار، الا انه اعتقد ان القيادة الحزبية سوف ترضخ لطلباته، فاثبت يوم الانتخابات مدى عدم جهوزيته، اذ انه قام بنصب مراكز انتخابية على الطرقات بقيت فارغة طوال النهار، وصبّ كل طاقته على مدرسة الحكمة –أي القلم الماروني في الرميل– وفي ذلك اشارة واضحة لكسر فادي ناكوزي، واللافت ان انصار عبس لم يكونوا يوزعون لائحة البلدية كما قال اعلامياً، بل فقط لوائح اختيارية، دون اسم ناكوزي، ما يعني ان حجته رفض التحالف مع "تيار المستقبل" في غير محله، وان معركته كانت في الرميل، وخسرها بشكل مدوّ.
بعد الانتخابات فتح تحقيق داخل التيار لمعرفة ما حصل في الاشرفية، ولاستعطاف المحازبين، سرب عبس الى احدى وسائل الاعلام خبرًا مفاده انه احيل الى المجلس التحكيمي، وسوف يصار الى طرده من التيار، وذلك لخلق موجة تضامن معه، موحياً ان احالته الى مجلس التحكيم كان سببها رفضه التحالف مع "المستقبل" من جهة، ودعمه للائحة "​بيروت مدينتي​" من جهة اخرى، فيخرج بطلاً قومياً، علماً ان دعمه لـ"بيروت مدينتي" اتى مع اقفال صناديق الاقتراع، اذ انه جاهر قبل الانتخابات بدعمه للائحة "مواطنون ومواطنات في دولة" التي يرأسها الوزير السابق شربل نحاس، ولم يصرح يوماً قبل الانتخابات انه يدعم لائحة "بيروت مدينتي".
ان السبب الرئيسي للفوضى التي خلقها عبس كان لكسر صحناوي في الرميل، وافشال مرشح "التيار" فادي ناكوزي المقرب من الأخير، فهو اكد في اتصال هاتفي مع مسؤول "القوات اللبنانية" انه لن يقوم بشطب اي مرشح قواتي على اللائحة التوافقية، بل سيكتفي بشطب اسماء مرشحي التيار، وهذا ما يدحض محاولات البعض تصوير الامر ان عبس اختلف مع القيادة على الخيار السياسي، انما على الاسماء حيث كان يرغب ان يكون له حصة في المخاتير، خاصة ان معلومات تشير الى ان تقريراً لمنسق القضاء المحسوب على عبس، اشار فيه الى ضرورة التحالف مع "تيار المستقبل" لضمان وصول مرشحين على الاقل الى المجلس البلدي، وضرورة التحالف مع جميع القوى السياسية في بيروت الاولى لتجنيب المنطقة معركة ولضمان فوز اللوائح التوافقية، وهكذا حصل...