تمر الذكرى الثامنة والستون للنكبة والصراع الوجودي مع العدو هو هو، لم يتغيّر ولن يتغيّر، رغم المحاولات الساعية لغلقه وإنهائه بتسويات ظالمة مسقوفة تحت معادلة «حق القوة» بديلاً عن «قوة الحق». فالوقائع أثبتت أن لا حياة لأي عملية تسوية دون دحر الاحتلال والاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية بكامل فلسطين، وفي مقدمتها حقّ العودة الذي يمسّ مصير أكثر من 65 من اللاجئين في الداخل والشتات.

ثمانية وستون عاماً ولم ننسَ البيوت والأملاك في حيفا ويافا واللد والرملة والقدس.. لم ننسَ القرى التي دمّرها الغزاة بعد تهجير أهلنا منها.. لم ننسَ صبارين وأم الزينات والكفرين والريحانية وأجزم وعين غزال وبعلين والفالوجة والتينة وعرب أبو كشك ومجدل الصادق وبئر السبع وبسط الفالج وقنير والسوالمة والمنسي وأم الشوف والسنديانة وخبيزة.. لم ننسَ مرابينا وأرض الخير والسمن والعسل التي سكن فيها أجدادنا قبل آلاف السنين وسُمّوا حينها بالقوم الجبارين.. أولئك الذين علّمونا وغرسوا في ذاكرتنا خرائطها وكل تفاصيل جغرافيتها وهي كأجمل البلاد.. لم ننسَ ولن نغفر ولن نهدأ ولن نستكين مادام جنوبنا السوري محتلاً.

لن نيأس مهما بدت الظروف صعبة ومظلمة، ومهما طرح عباس رئيس السلطة من أفكار استسلامية على حساب دماء مقاومينا وشعبنا، بل ها هي الذكرى تتزامن والانتفاضة الثالثة مستمرة بسواعد أشبالنا وزهراتنا، للتأكيد أن شعبنا سيواصل النضال جيلاً بعد جيل لإنجاز حقنا المقدس بتحرير فلسطيننا وحقنا الفردي والجماعي، بالعودة.

ولكن هل لأحد أن يتذكّر الآن أين تقع فلسطين ونحن نستكمل تمزيق أنفسنا، قطعة قطعة بعدما أدت الهيستيريا المذهبية بنا إلى تفكيك ضميرنا القومي؟

هل نتذكر ولسان عرب الوهابية يردد معزوفة «ما علاقتنا بقضية فلسطين؟».. السؤال هنا يأخذ أشكالاً شتى، وهو ما بدأنا نسمعه من مثقفين عرب اُخذوا باللوثة الوهابية إياها، أو بلوثة الخيانة السعودية إياها وأميرها الفيصل، ولكأن الشاعر الراحل نزار قباني كتب ما كتبه في الذكرى الخمسين للنكبة، وكأنه كتبها الآن:

سقطتْ آخرُ جدرانِ الحياءْ

وفرحْنا.. ورقصْنا..

وتباركْنا بتوقيعِ سلامِ الجبناءْ

لم يعُد يرعبنا شيءٌ..

ولا يُخجلنا شيءٌ

فقد يبستْ فينا عروقُ الكبرياءْ…

ويقولون لك إنهم قطعوا أي صلة بالمسألة الفلسطينية، ولعلنا هنا نتذكر الشاعر مظفر النواب الذي قال ذات يوم إن «خيال العرب يقف، استراتيجياً، عند ساقي شهرزاد».. أو كيف سيحررون شهرزاد من ثيابها؟

ثمّة عدوان مبرمج على وطننا السوري من أجل فلسطين، وهو أكبر منا جميعاً. وإذا كنّا نتمتع بالحد الأدنى من المسؤولية في هذه «اللحظة الجنونية»، فإن المسؤولية تدعونا في أولى خطوة لنا هي أن نكسر المستحيل وأن نلتقي على حقيقة واحدة هي أن هذا الكيان الاستعماري الاغتصابي جاثمٌ على صدورنا. حينذاك تصبح كل الأمور الأخرى تفاصيل، ولا نعتقد أن الشيطان يقبع سعيداً في هذا النوع من التفاصيل!

إلى الذين لا تنحرف بوصلتهم عن المقاومة ولا يغرقون في توافه التسويات نقول.. الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل، وإننا لعائدون، عائدون عائدون!!