إنتهت المرحلة الثانية من الإنتخابات البلديّة والإختيارية بشكل ناجح، وحتى لحظة إعداد هذا المقال فجر الإثنين، كان بالإمكان تسجيل هذه الملاحظات بشأن النتائج الأوّلية عن الرابحين والخاسرين، وأولى دلالات المعركة.

في الشكل، كانت نسبة المُشاركة بشكل عام مُرتفعة أكثر مُقارنة بحجم المُشاركة في الجولة الأولى من الإنتخابات، علمًا أنّ المُشاركة الهزيلة بامتياز التي حدثت في بيروت في الدورة الأولى لم تتكرّر في أيّ بلدة أو مدينة في الجولة الثانية، ما عكس درجة حماوة إنتخابيّة أعلى وتنافسًا أكثر شدّة من جهة، وحماسًا أكبر من قبل الناخبين الذين شعروا بثقة أكبر بقيمة صوتهم الإنتخابي من جهة ثانية.

في المضمون، لم يتمكّن أيّ طرف من تحقيق فوز ساحق له، حيث كان الربح والخسارة مُتبادلاً للكثير من الأطراف السياسيّة الأساسيّة المُتواجهة، وتبيّن أنّ بعض القوى المناطقيّة المحلّية لا تزال تحظى بدعم شعبي جيّد، على الرغم من تبدّل التحالفات السياسيّة، وعلى الرغم من تبدّل المُعطيات السياسيّة العامة. وفي التفاصيل، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: تبيّن أنّ البنية البلديّة الصلبة التي أسّسها النائب ​ميشال المر​ّ على مدى عُقود عدّة في المتن، لا تزال فعّالة وقادرة على مُواجهة تكتّلات سياسيّة أساسيّة وأحزاب رئيسة، مثل "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة"، علمًا أنّ النائب المُرّ إستفاد من دعم حزب "الكتائب" الذي شعر بأنّه مُستهدف من تحالف "التيار-القوّات"، وكذلك من أصوات حزب "​الطاشناق​" الذي كان قد أظهر قُدرته على تجيير أصوات مُحازبيه الأرمن لهذه اللائحة أو تلك، كما حصل مع لائحة "البيارتة" في بيروت، حيث تبيّن أنّ الناخبين الأرمن في كل من "​سن الفيل​" و​أنطلياس​" وغيرها من المناطق المتنيّة صوّتوا إلى جانب اللوائح المدعومة من النائب المُرّ. يُضاف إلى ذلك أنصار "الحزب القومي السوري" الذين وقفوا إلى جانب اللوائح المدعومة من النائب المرّ أيضًا.

ثانيًا: في "سن الفيل" فازت لائحة "نعم نحو الأفضل" برئاسة ​نبيل كحالة​، على لائحة "سن الفيل بتجمعنا" برئاسة جوزف شاوول، وفي أنطلياس نجحت لائحة "أهالي أنطلياس-النقاش" برئاسة إيلي فرحات أبو جودة، على اللائحة المُنافسة برئاسة إيلي صافي، ليتبيّن أنّ الحُصول على دعم تحالف "التيار-القوات" ليس كافيًا للفوز في مختلف المناطق، خاصة عند تكتّل أكثر من قوّة سياسيّة بوجههما، مثل "الكتائب" و"المُرّ" و"الطاشناق" والقومي" إضافة إلى السمعة الناجحة لرئيس البلديّة المعنيّة نفسه.

ثالثًا: في الحدت، نجحت لائحة "شباب الحدت" برئاسة ​جورج عون​ في تحقيق فوز كاسح، على لائحة الدكتور أنطوان كرم، لتُثبت هذه المدينة أنّ ولاءها للتيار الوطني الحُرّ الذي إستجدّ إعتباراً من العام 1988، لا يزال مُستمرّاً حتى اليوم، حيث أنّ وجود عائلات كبيرة مثل "آل كرم" بميولها الكتائبيّة لا يسقط هذه المعادلة، خاصة وأنّ وجود "القوّات" في الحدت ضعيف، وأنّ أنصار حزب "الأحرار" الذين كانوا كثرًا في الحدت في السابق، تحوّلوا إلى التيّار العوني منذ عُقود.

رابعًا: أظهرت إنتخابات جبيل، أنّ أيّ رئيس بلدية ناجح قادر على فرض شروطه على الجميع، وقادر على كسب ثقة المواطنين حتى من دون وُجود منافسة، مع تسجيل إستعراضات إعلاميّة تمثّلت بوجود مُرشّحة واحدة هي السيدة كلود مرجة بمواجهة لائحة حوّاط، علمًا أنّ مُرشّحي ما يُسمّى "المُجتمع المدني" كانوا شبه غائبين ترشيحًا وحُضورًا، وخاصة على صعيد تحقيق أيّ نتيجة قويّة في الجولة الثانية من الإنتخابات البلديّة والإختياريّة.

خامسًا: في بكفيا، تمكّنت لائحة "سوا للإنماء" برئاسة نيكول الجميّل من الفوز بكامل أعضائها، لتثبت أنّ المنطقة لا تزال "كتائبيّة الهوى"، وأنّ لا قُدرة لأيّ جهة أخرى على المُنافسة جديًّا فيها.

سادسًا: في جونية، كاد "التيار" أن يتلقّى ضربة معنويّة وسياسيّة كبيرة، قبل أن تُشكّل عشرات الأصوات الفارق المحدود بين اللائحتين، لتفوز لائحة "كرامة جونية" برئاسة جوان حبيش، والتي دعمها رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون شخصيًا، إضافة إلى "الكتائب" و"الأحرار"، على لائحة "جونية التجدّد" برئاسة فؤاد بواري والتي دعمها النائب السابق ​فريد هيكل الخازن​، ورئيس "المؤسّسة المارونية للإنتشار" نعمة فرام، إضافة إلى حزب "القوّات" ولو من دون ضجيج إعلامي، بفارق طفيف جدًا، علمًا أنّ الفوز يبقى فوزًا، ولو أنّ خصوم "الجنرال" إستمالوا نحو نصف الناخبين.

سابعًا: في غوسطا، فازت لائحة "غوسطا العالية" المدعومة من النائب السابق فريد هيكل الخازن وحزب "الكتائب اللبنانيّة"، على لائحة "كلنا غوسطا" المدعومة من تحالف "التيار-القوّات"، ليظهر أنّ الشخصيّات الإقطاعيّة في لبنان عُمومًا، ومنها كسروان بطبيعة الحال، لا تزال تحظى بتأييد شعبي جيّد، بفضل خدماتها المُتراكمة على مدى عُقود، وبسبب عقليّة "بأمرك يا بيك" المُترسّخة في أذهان الكثير من الناخبين، أباً عن جدّ!

ثامناً: في الدامور، فازت لائحة "وحدة الدامور" برئاسة شارل غفري بالكامل، والمدعومة من حزب "القوّات" ومن النائب إيلي عون، على لائحة "الدامور هويّتي" برئاسة الياس عمّار، في ظل تشتّت لأصوات ناخبي "التيار".

تاسعًا: في الحازمية، خسرت لائحة "كرامة الحازميّة" برئاسة ​جورج باسيل​، والتي دعمها "التيّار"، أمام لائحة "الحوار والقرار" برئاسة رئيس البلديّة الحالي ​جان الأسمر​ الذي حصل على دعم من "القوات" و"الكتائب" و"الأحرار".

عاشرًا: في ​دير القمر​، فازت لائحة "دير القمر بلدتي" برئاسة السفير ملحم مستو والمدعومة من تحالف "التيار-القوّات" على لائحة "القرار لدير القمر" برئاسة ​فادي حنين​ والمدعومة من النائب ​دوري شمعون​ ومن الوزير السابق ​ناجي البستاني​ اللذين وضعا خلافاتهما الشخصية على حدة، على أمل مواجهة عمليّة إزاحتهما في عقر دارهما، من دون أن ينجحا إلا بتسجيل بعض الخروقات للائحة الفائزة.

في الختام، لا شكّ أنّ نتائج معركة ​محافظة جبل لبنان​ البلديّة والإختياريّة ستدفع الكثير من الأطراف إلى إعادة حساباتهم تمهيدًا لأيّ معركة إنتخابات نيابيّة مُقبلة، حيث تبيّن أنّ التحالف بين "التيار" و"القوّات"، وعلى الرغم من تحقيقه العديد من الإنتصارات في عشرات البلدات والقرى(1)، قد إستنفر كل القوى والشخصيّات المُتضرّرة أو الخائفة منه، ما شكّل مروحة واسعة من القوى المنافسة التي وإن توحّدت في ما بينها في المُستقبل، ستكون قادرة على إفراغ هذا التحالف من قوّته المتفوّقة في العديد من المناطق. كما أظهرت نتائج الجولة الثانية من الإنتخابات البلديّة والإختياريّة أنّ "التيار الوطني الحُرّ" يمرّ حاليًا في مرحلة عدم توازن نتيجة تنافس داخلي مُتصاعد من جهة، وبفعل التغيير السريع في تحالفاته من جهة أخرى، الأمر الذي أضعف قُدرته التنافسية في غير مكان.

(1)منها مثلاً ذوق مصبح، زوق مكايل، جعيتا، عمشيت، بدادون، كفرشيما، الكحالة، فالوغا (قضاء بعبدا)، عين الريحانية، والفنار، إلخ.