بعد مسلسل "​الربيع العربي​" الذي لاقى ترويجاً عالمياً غربياً وعربياً لافتاً في التاريخ المعاصر؛ إنّها مرحلة "الحرب على الإرهاب" في مسرح السياسة الدولية الغربية الذي إنضمت إليه بعض ​دول الخليج​ العربي؛ فنشهدُ خلطاً للمفاهيم والأهداف والأساليب، فوضى سياسية عارمة بعد الفوضى الأمنية التي كانت منشودة من "الإنتفاضات الشعبية" و"الحركات الجهادية" التي تلاقي بالأخصّ في كلّ من سوريا والعراق واليمن ملاذاً لإرساء مشروع "الإسلام السياسي" وفق المبدأ الوهابي أو بتعبير أدق "الإسلام الأصولي" بدءاً من كسر الحدود الجغرافية السياسية المصادق عليها تمهيداً لبسط "دولة الشريعة".

إنها أداة الصهيونية وحلفائها من غربيين وعرب لتقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى محاور سيطرة على الثروات وعلى المواقع الجغرافية الإستراتيجية في المشاريع الإقتصادية التجارية الدولية المستقبلية لتحقيق الهيمنة المركزية على العالم.

إنّ قراءة الواقع الجغرافي الذي تسرح فيه المنظمات الإرهابية المتطرفة بتسمياتها المتعددة تظهر متاخمتها لبلدان الخليج العربي وطبعاً مصر ولبنان؛ وعند التمعّن في الواقع العسكري والعقيدة الدينية لهذه المجموعات يظهر بشكل لا لبس فيه إمعانها في التمدّد بغية خلق حدود جديدة تخرج عن حدود الخريطة الحالية؛ وأيضاً وفي قراءة أخرى تعود إلى فترة تأسيس مجلس التعاون الخليجي وظهور قطر كدولة إحتضنت سياسياً تنظيم ​الإخوان المسلمين​ في الأقطار التي تولى فيها التنظيم الحكم والتوقف عما نتج عن ذلك من إنقسامات في المواقف السياسية الخليجية حيال المنطقة؛ أسئلة إستراتيجية عدّة تُطرح:

- ما مصير أمن دول الخليج العربي من التمدّد التكفيري الجغرافي على حدودها في ظلّ غياب السيطرة السياسية العربية الموحّدة على هذه التنظيمات و ما إقتتال ​الجماعات التكفيرية​ فيما بينها إلاّ خير دليل على ذلك ؟!

- وأيضاً، ما مصير أمن دول الخليج العربي في ظلّ تنوّع مصادر التمويل الخارجي للمنظمات المسلحة التكفيرية؟! وأكثر، في ظلّ قدرتها على التمويل الذاتي إثر العلاقات التجارية المنعقدة مع جهات إقليمية متعدّدة؟!

- ما مصير أمن دول الخليج العربي في واقع الضعف أو التراخي في الضربات الجوية الغربية على المواقع العسكرية لتنظيم "داعش" وغيره؟!

فإذا كان نظام الإخوان المسلمين الذي قام في مصر بعد إسقاط الرئيس السابق ​حسني مبارك​ شكَّل تهديداً وجودياً لأمن دول الخليج ما حدا إلى التعاون الخليجي-المصري بدعم الحراك الشعبي لإسقاط السلطة الحاكمة خير دليل على هذا التخوّف؛ إلاّ أنّ التعويل اليوم بشكل أساسي على الدور الغربي من قبل دول الخليج لمحاربة الإرهاب في المنطقة أصبح في غير محلّه الواقعي، لا سيّما بعد إنهماك الإدارة الأميركية في مرحلة الإنتخابات الرئاسية، وتبدّل الإستراتيجيات في المنطقة بعد الإتفاق مع ​إيران​ حول برنامجها النووي؛ كما تسليم الجزء الأكبر من الملف الأمني إلى روسيا بعد الإتفاق الأميركي-الروسي على إيجاد مخرج للأزمة في سوريا واليمن تحديداً.

إنّه تبدّل في ملعب السياسة الدولية حذا بتوجه بعض الدول العربية إلى توثيق روابط وأواصل التحالف مع إسرائيل لا سيّما السعودية تحديداً؛ غير أنّ ذعر إسرائيل من خوض غمار حرب مفتوحة في ظلّ تماسك محور الممانعة والمقاومة والقوّة العسكرية التي يتمتع بها هذا المحور، يجعل من الرهان على هذه الورقة أكثر من ضعيف.

في هذ السياق؛ شكلّت مناورات "رعد الشمال" التي قامت على أرض المملكة العربية السعودية بمشاركة عشرين دولة؛ مادّة تحليلية للعديد من المراقبين السياسيين تمركزت أغلبها حول مدى إعتبار هذه المناورات بداية مشروع حلف مشابه لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ومدى إحتمال تدخلّه في سوريا والنتائج التي يمكن أن تنجم عن هكذا تدخّل.

والسؤال الجوهري، هل هذا الحلف يحمي بلدان الخليج العربي من خطر وتمدّد "الإسلاميين المتطرفين"؟!

إنّ المصالح السياسية والإقتصادية والأمنية والإجتماعية لأكثر من دولة مشاركة في هذه المناورات وضعت هذه "الكونفدرالية" في إطار العالم الإفتراضي وأضاءت على حقيقة هامة وهي أنّ أي مشروع أمن قومي عربي يشكّل حلفاً هدفه عنوان المرحلة "الحرب على الإرهاب" لا يمكن أن يتحقق دون إنضمام "سوريا" وحتى "إيران" إليه.

أما من جهة أخرى، إنّ أي حلف شامل من هذا القبيل ستقف بوجهه إسرائيل لما يمكن أن ينذر بخطر وجودي عليها.

ففي ظلّ المخاطر المحدقة من كل صوب والعجز العربي في مواجهتها، تظهرُ بوادر مرحلة التسويات بدءاً من إنقاذ كلّ من سوريا، العراق، اليمن، والخليج العربي.

وفي أفق هذا المشهد، ناقوس خطر في أرض فلسطين المحتلة ينذر بتنظيم تكفيري إرهابي آخر ربّما يسطع إسمه عند تبنّيه عملية إغتيال "مصطفى بدر الدين".