نكبتنا الكبرى أننا لا نشعر بالنكبات إلا بعد فوات الأوان.. فهل تمرّ دعوة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، في تقريره الرسمي، الدول المستقبلة للنازحين السوريين إلى إتاحة الفرصة لهم ليصبحوا مواطنين بالتجنّس، هل تمر بلا ردود من قبل الدولتين السورية واللبنانية، كما من قبل النازحين أنفسهم على هذه الدعوة الخطيرة؟ وكيف لهما أن تواجها هذه الزلزال الديموغرافي الذي سيعني، عملياً، نهاية كيان لبنان، بالحروب الطائفية؟

هذه الدعوة المشبوهة تذكرنا بمصطلح أو عبارة «العودة الطوعية» للنازحين السوريين الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، وقد جاء الإصرار على توصيف العودة بأنها «طوعية»، حتى بعد انتهاء الصراع، تأكيداً لتوطين ودمج النازحين السوريين في لبنان، وقد عبر وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير عن ذلك في العام 2015 خلال مؤتمر مساعدة النازحين السوريين، عندما أكد أمام رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، ووزير الخارجية جبران باسيل أنه «يجب أن يعتاد السوريون عليكم ويعودوا إلى بلادهم ساعة يرغبون»! غير أن باسيل اعتبر وقتها أن ما من مبرر يسوّغ، لأي سبب من الأسباب الإنسانية، بقاء النازحين في لبنان بعد انتهاء الأزمة السورية على اعتبار أن أسباب نزوحهم تكون قد انتفت.

لا شك في أن الحال المأساوية التي يعيشها النازح السوري المهجّر من منزله وقريته ومدينته وكيانه، بفعل الحرب والإرهاب، زادت من حجم الكوارث اليومية والدموية التي يمرّ بها في الدول التي نزح إليها بفعل المساومة والتجارة التي لجأ إليها سياسيو تلك الدول، ولعل أول الأخطار التي واجهها النازح السوري هو ما جرى معه في تركيا من خلال التجارة بأعضائه أو من خلال «تجارة الموت» التي تمّت عبر البحار بهدف الضغط على أوروبا ومن ثم قطف ثمار هذا الضغط سياسياً ومالياً.

وفي هذه القراءة نشير إلى تحقيق استقصائي كان قد نشره موقع «نيوز ديبلي» بالتعاون مع جمعية «إنترناشونال ميديا سبورت»، إلى أن «حوالي 18 ألف سوري باعوا أعضاءهم في السنوات الأربع الأخيرة ليتمكّنوا من تأمين أبسط مقوّمات العيش في مخيمات اللجوء في تركيا ولبنان وغيرها من الدول المجاورة لسورية».

أما الخطر الآخر، فقد جاء من لبنان الذي يسعى بعض ساسته إلى توطين النازحين لغايات مذهبية قميئة وحقيرة، وهذا الخطر مدعوم، دولياً وأممياً، وقد جاءت زيارات المسؤولين الدوليين إلى لبنان، من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وآخرين.. في هذا الإطار الجهنمي الذي تعاني منه سورية منذ خمس سنوات ونيّف، ولذلك كان من الطبيعي أن تكون زيارة مخيمات النازحين لاعتبارات «إنسانية» أول اهتمامات هؤلاء الزوار.

إن المعاناة التي يعيشها النازحون من النواحي الصحية والخدمية والمعيشية. وما يتعرّضون له من عنف، معنوي وجنسي، وكراهية سياسية استبدادية محلية طائشة فُرضت عليهم بالقوة والإرهاب، تستدعي التوقف عنده رغم هذا الصمت المريب من المسؤولين عن مخيمات النازحين لما يهيّأ لهم خصوصاً لبنانياً لكي يكونوا وقوداً لمعارك مذهبية قذرة مقبلة ضد المقاومة، وهي لعبة سياسية جديدة نسجت في غرف مظلمة ومطابخ عفنة ومراكز بحوث استعمارية. فهل نستيقظ على فرقعة الحرائق؟

الخوف أن بعض هؤلاء الساسة في لبنان الذين طالما تمّ وصفهم بأصحاب العيون العرجاء قد لا يرون الوجه الآخر للزلزال الديموغرافي الذي يزعزع المنطقة.