عجيبٌ أمرُ "لاعبي" السياسة في بلدي، كيف يستجرّون عطف السماء وسكّانها، ليحصلوا على ولاء أهل الأرض. وغريبٌ كيف أنَّ بإمكانهم استحضار القوّة الإلهية "الضّاربة" غُبَّ الطَلَب، لدعمهم في "قضاياهم" التي تتمحور كُلُّها حول قيَم "الكرامة والأمانة والأخوّة والوحدة والوفاء والتفاهم" وغيرها.

في بلدي، يَمسك الله وأولياؤه بزمام الأمور، هذا على ذمّة المُدونين على جدران وسائل التواصل الإجتماعي وحائكي قُطَب العمليات الانتخابية ومعاونيهم. فللعزّة الإلهية وللقديسين التابعين لها، كُلُّ الفضل في التدخُّل في تفاصيل العمليات الإنتخابية على تنوّعها، ونسج التحالفات، وتأليف اللوائح، وتفضيل هذا على ذاك من المُرَشَّحين، وعمليات التسويق والدّعم والرعاية والتسويف والتملُّق والتحريض، وحتى التنكيل والتشهير. وأتَذَكّر هُنا، ما جاء في مسرحية "ناس من ورق" للأخوين رحباني: "ونِحْنا يا شباب يَوْم الإِنْتِخاب مِنْطَلِّع نُوّاب ومِنْنَزِّل نُوّاب"، لا بَل "منطَلِّع ناس ومِننَزّل ناس". نعم، فبحسب هؤلاء المدونين، مَن لا يحظى بدعم الله وأوليائه، هو ساقِطٌ لا محالة.

ولكن الغائب الأكبر عن تلك الجُدران، هو إِلهُ آلهةِ وقدّيس قديسي أبناء هذا العالم، القادر وحده على شراء النفوس والضمائر، وهدر الكرامات، وهَتكِ الأعراض، وكسر التحالفات، والإخلال بالتوازنات، واختلاس إرادة الشعوب، ولوي ذراع الأقوياء، وإخضاع الضعفاء، وقلب الأمور رأساً على عَقب، والخيانة. واسم هذا الإله "مأمون"، ولِمَن لا يَعرِف مأمون، فهو إله المال الذي حَذّر منه يسوع ومن التبعيّة له(لو1613)، فمن يتبعه يمشي في الظلام، لا بل يتحوّل كُلُّه إلى ظُلام.

نعم "مأمون"، هو وراء ما حيكَ ويُحاك في أروقة المجالس الإنتخابية على تنوّعها، وهو القوّة الضّاربة، بغياب الضمير الأدبي، التي صنعت الأحداث الحالية وما سينتج عنها من انحطاط في المستقبل القريب، وهو الذي ألّف اللوائح في العديد من الأماكن وسَوَّق لها وكان السبب وراء الإنتصارات الواهية. "مأمون" الذي لأجله تنحني كُلّ رُكبة وأمامه يتعثر، لا بل ويخرس كُلُّ لِسان، هو الفاعل الحقيقيّ في "الديمقراطية اللبنانية"، والمفعولُ بِه فهو الشّرَّف. هذا هو الوضع الآن، وهذا ما سيبقى عليه طالما الضمير في سبات، ودولة القانون في غيبوبة.

ولكن، مَن يظن من أتباع "مأمون" أنّ باستطاعته أن يشتري كلّ الناس فهو مُخطىء، فهناك من الناس من يعتصم بالضمير، ويتزيّن بالإستقامة، ويُجاور العدل، ويستلهم الحقيقة. وهؤلاء الناس هم عِماد التغيير في الغد، وإنَّ الغد لِنظاره قريب.