لم يكن تنظيم "داعش" الإرهابي ينتظر من الولايات المتحدة الأميركية خدمة أكبر من إغتيال زعيم حركة "​طالبان​" الأفغانية ​الملا أختر منصور​، نظراً إلى أن التداعيات، التي ستؤثر من الناحيتين التنظيمية والمعنوية على "القاعدة"، ستصب مباشرة في خدمة رغباته بالسيطرة على عالم "الجهاد" المتطرف على مستوى العالم.

من هذا المنطلق، لا يمكن تفسير إغتيال زعيم "طالبان"، الذي تسلّم السلطة بعد مقتل الملا عمر، في إطار الصراع داخل الأراضي الأفغانية فقط، نظراً إلى إرتباط جميع الفصائل التي تدور في فلك "القاعدة" حول العالم بـ"بيعة" رسمية إلى الملا أختر منصور، الذي يعتبر "أميراً" لها على كافة المستويات.

في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن منصور عين زعيماً لـ"طالبان"، في تموز من العام 2015، بعد الكشف عن مقتل مؤسّس الحركة قبل نحو عامين، الأمر الذي أدى إلى توجيه إتهامات واسعة له بسبب إخفائه خبر الوفاة، وهو ما ظهر بشكل واضح عبر الإنشقاق الذي حصل في صفوف "طالبان"، مع العلم أن منصور عمل على إرضاء أبناء عمر، يعقوب وعبد المنان أخوند، من خلال منحهما مناصب في مجلس قيادة الحركة، وبالتالي من المرجح أن تعود الخلافات السابقة إلى الظهور بعد تأكيد خبر وفاته في عملية الإغتيال، لكن من سيكون المستفيد الأكبر؟

من حيث المبدأ، سيكون "داعش" هو أبرز المستفيدين من تصفية الملا منصور، الذي يعتبر "أميراً" لجميع الفصائل المنضوية تحت لواء "القاعدة"، على إعتبار أن الأخيرة "تبايع" من يكون زعيماً لـ"طالبان" منذ ولادتها، فالمؤسس أسامة بن لادن كان "يبايع" الملاّ عمر، وبعد وفاته استمرت هذه البيعة من قبل ​أيمن الظواهري​، وبعد وفاة الملا عمر انتقلت "البيعة" إلى منصور، بالرغم من الخلافات التي تفجرت داخل "طالبان"، بين من يؤيد منصور، ومن يريد أن تكون "البيعة" لشخص آخر.

بالإضافة إلى ذلك، منذ لحظة الإعلان عن وفاة الملا عمر، ظهر "داعش" بشكل قوي في أفغانستان، لا سيما في المنطقة التي تقع على الحدود مع إيران، ومن المفارقات اللافتة أن المواجهات بين أنصار التنظيم و"طالبان" كانت كبيرة جداً، نظراً إلى أن أتباع أبو بكر البغدادي كانوا يطمحون إلى كسر منافسيهم بالخط "الجهادي" في معقلهم الأساسي، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على مستوى العالم، نظراً إلى أنها ستؤدي إلى حصول "الخليفة" على المزيد من "البيعات" من الفصائل التي لا تزال حتى الساعة تدور في فلك "القاعدة"، وهو الهدف الذي يسعى له "داعش" بكل قوته، في سياق حرب "الإلغاء" التي يخوضها مع منافسيه قبل أخصامه.

إنطلاقاً من هذا الواقع، يمكن القول أن "داعش"، الذي يسعى إلى توسيع نطاق عملياته في المرحلة المقبلة، وهو كان قد دعا أنصاره إلى تنفيذ هجمات إرهابية في أكثر من دولة، في اليومين الماضيين، سيعمل على إستغلال مقتل منصور، في حين أن "طالبان" ستكون أمام مخاض كبير من أجل تعيين خلفٍ له، بالإضافة إلى ذلك سيكون "القاعدة" أمام أزمة جديدة، لناحية "مبايعة" أمير جديد يخرج من رحم "طالبان"، في وقت يعاني التنظيم من تراجع دوره أمام النمو المضطرد لأنصار البغدادي، الذين سرقوا الأضواء منه، بعد أن باتوا الرقم الصعب في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر، بالإضافة إلى دورهم في العمليات الخارجية، لناحية القدرة على توجيه ضربات مؤلمة إلى الدول الغربية، مثل تلك التي استهدفت العاصمتين الفرنسية باريس والبلجيكية بروكسل، التي تعلن التحالفات الدولية ضدهم، من دون أن تنجح بالقضاء عليهم أو التقليص من قوتهم، لا بل هم نجحوا بالتمدد، خارج الأراضي السورية والعراقية، بعد إعلان واشنطن تشكيل تحالف لمحاربتهم.

من المفارقات اللافتة التي ينبغي التوقف عندها هو دور الضربات الجوية الأميركية بشكل عام، حيث أن مراجعة سريعة لها تثبت أنها صبت في كل مرة في خدمة "داعش"، فهي نجحت في السابق في إغتيال عدد كبير من قيادات "القاعدة" باليمن، لكن النتيجة أدت إلى نمو فرع "داعش" في هذه الدولة، التي تعيش حرباً قاسية نتيجة الخلافات الداخلية بين القوى السياسية الفاعلة فيها، في حين أن عمليات الإغتيال التي نفذت في سوريا إستهدفت بشكل رئيسي قيادات بارزة في جناح "القاعدة" في "بلاد الشام"، أي جبهة "النصرة"، والمعلومات تشير إلى نجاة "أمير" الجبهة أبو محمد الجولاني من أكثر من غارة، مع العلم أن "داعش" نجح في التمدد، في بعض المدن والبلدات السورية والعراقية، في ظل تواجد طائرات التحالف الدولي في الأجواء.

على هذا الصعيد أيضاً، يمكن العودة إلى تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين التي كانت على مدى السنوات السابقة تسعى إلى التخفيف من حجم تهديد "داعش"، في وقت كانوا يزالون يشددون على خطر "القاعدة"، التي يمكن القول أنها في مرحلة "الموت السريري" في ظل الواقع الذي يمر فيه التنظيم الأول، وهو ما كان واضحاً عبر التأكيد بعد إجتياحه الحدود السورية العراقية، في "غزوة" الموصل"، أن "سي أي أي"، جهاز الإستخبارات الأميركي الذي يعتبر الأبرز على مستوى العالم، كان مصدوماً بحجم القوة التي يمتلكها "داعش".

في المحصلة، لن تكون عملية إغتيال منصور حادثاً عابراً على مستوى الجماعات الإرهابية حول العالم، سواء تلك التي تدور في فلك "داعش" أو تلك المتناغمة مع "القاعدة"، والأيام المقبلة ستكشف التداعيات الكبيرة التي ستترتب عليها.