منذ العام 2012، والنقاش يدور حول قانون الإنتخاب. أكثـر من ثلاث سنوات مضت ولـم تصل نقاشات اللجنة النيابية العشرية إلى الإتفاق على قانون موحّد للإنتخابات تـحيله إلى الـهيئة العامة. "الكتائب" تطرح "الدائرة الفردية"، و"حزب الله" يطرح "النسبية" ولبنان دائرة واحدة، و"التيار الوطنـي الـحر" يفضّل "الـمشروع الأرثوذكسي" الذي يقوم على إنـتخاب الـمسيحيــيـن لـ 64 نائباً مسيحياً والـمسلميـن لـ 64 نائباً مسلماً. وفـي الفتـرة الأخيـرة، اهتمّت اللجنة بـمشروعيـن يعتمدان "النظام الـمختلط"، الذي يـجمع بيـن الأكثـري والنسبـي، الأول قدّمه النائب علي بزي بإسـم رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويقوم على إنتخاب 64 نائباً وفق النظام الأكثـري و 64 نائباً وفق النظام النسبـي. أما الـمشروع الثانـي الـمشتـرك الذي قدّمه "تيار الـمستقبل" و"القوات اللبنانية" و"الـحزب التقدمي الإشتـراكي" فيقوم على أساس إنتخاب 68 نائباً وفق النظام الأكثـري و60 نائباً وفق النظام النسبـي.

17 مشروعاً إقتـرحتها القوى السياسية، تشابـهت بـمعظمها، لتـرسو الـمعادلة بعد نقاش طويل على أربع إقتـراحات فقط:

- إقتـراح قانون الدائرة الفردية الـمقدّم من "حزب الكتائب".

- إقتـراح النسبية الكاملة الـمقدّم من كتلة "الوفاء للمقاومة".

- إقتـراح الصيغة الـمختلطة وفق مشروع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

- إقتـراح الصيغة الـمختلطة وفق مشروع "القوات اللبنانية" و"تيار الـمستقبل" و"الـحزب التقدمي الإشتـراكي".

أما مشروع "القانون الأرثوذكسي" الذي أقرّتهُ اللجان الـمشتـركة، فسيتمّ التعامل معه كأيّ مشروع آخر ويـُحال على الـهيئة العامة.

فـي جولة الـحوار الثامنة عشر، طرح بري مبادرة إنتخابية-رئاسية من ثلاث مراحل: الإتفاق على قانون إنتخاب جديد وتقصيـر ولاية الـمجلس النيابـي الـحالـي. إجراء إنتخابات نيابية، على أن تلتزم القوى كافةً مسبقاً بتعهّد أن تـحضر إلى جلسة إنتخاب الرئيس فـي أول يوم بعد إنتخاب هيئة مكتب الـمجلس. إنتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. واللافت فـي مبادرة بري، ولأول مرة، وضْع قانون الإنتخاب قبل إنتخاب رئيس للجمهورية، أي حرمان رئيس الـجمهورية من حقه فـي توقيع القانون الـجديد أو ردّه إلى الـمجلس النيابـي! وكان لافتاً أيضاً عودة التداول بقانون الستيـن كبديل إذا تعذّر الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات.

لـم يطرح بري هذه الـمبادرة إلاّ بعدما إستنفد كل الـحلول الأخرى، وبعدما أيقن أن الفراغ سيطول كثيـراً ويقضي على ما بقي من مؤسسات. ولكنه على الرغم من إقتناعه باستحالة التوصّل إلى قانون يرضي كل الأطراف، لا يزال متشبثاً بـمشروعه الـمختلط (لوائح تُنتخب وفق النظام النسبـي، ولوائح أخرى تُنتخب وفق النظام الأكثـري)، وكأن الشعب اللبنانـي لـم يشبع بعد من الـمحادل والبوسطات التـي أوصلت هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة.

إن قرار اللجان النيابية الـمشتـركة الأخيـر، حصْر النقاش بالنظام الإنتخابـي الـمختلط وإهـمال باقي الـمشاريع سيؤدّي حتماً إلى الفشل، وكأن الـمقصود تـخييـر الناس بيـن الـتمديد مـجدّداً للمجلس الـحالـي أو العودة إلى قانون 1960 بـمعنـى آخر الإختيار بيـن السيء والأسوأ. ولن تنطلي على أحد حيلة الذين يشنّون حـملة حادة على قانون 1960، ويعملون فـي الـخفاء على إحيائه.

لقد جرّب اللبنانيون النظام الأكثـري الـمبنـيّ على اللوائح سنيـن طويلة، فـماذا كانت النتيجة؟ مزيد من الغبـن والتشرذم والإنقسام، وكثيـر من اللامسؤولية والفساد والإهتـراء فـي مفاصل الدولة.

أما النسبية التـي تُعتبـر إبنة الأحزاب وعلّة وجودها، ما زالت تبحث عن أحزاب وطنية تتنافس على برامـجها وتطلّعاتـها لا على طوائفها ومذاهبها، فلـم تـجد حزباً واحداً يستوفـي الشروط.

لقد جاءت الإنتخابات البلدية والإختيارية لتثبت وتؤكّد أن ما يـهمّ الـمواطن جدّياً، وفـي غياب الأحزاب العابرة للطوائف، هو معرفة مَن ينتخب، ويُدلـي بصوته بكل إقتناع إلى مرشّح يعرفه ويثق به قبل أن يعطيه وكالة غيـر قابلة للعزل لأربع سنوات. فالـمرشح الذي يـختاره الناخب بـحرية واقتناع سيمثّله فـي الـمجلس النيابـي أفضل تـمثيل، ويكون أكثـر فهماً وإدراكاً لواقعه الإجتماعي، ويعبّـر أفضل تعبيـر عن هواجسه ومطالبه وطموحاته.

لا يـمكن الإتفاق على قانون جديد للإنتخاب ما دامت نتيجة كل قانون معروفة سلفاً. فكل دائرة إنتخابية تضمّ لوائح فضفاضة ويتـرأسها أحد شيوخ القبائل اللبنانية وتتبع النظام النسبـي أو الأكثري، نتيجتها معروفة منذ الآن، عدا أنـها تقضي كلياً على الـمناصفة والتمثيل الصحيح. فكيف سيقبل الـخاسرون بقانون يؤمّن الأكثـرية لـخصومهم ؟

ثلاثة مشاريع إنتخابية فقط لا غيـر تـحقّق التمثيل الصحيح والـمناصفة الـحقيقية التـي حدّدها الدستور وتبقى مـجهولة النتائج : الدائرة الفردية، أو الدائرة الصغرى ونظام "الصوت الواحد لـمرشح واحد"، أو "الـمشروع الأرثوذكسي". وكل ما عدا هذه الـمشاريع الثلاثة، يعنـي التواطؤ مع عشّاق ومؤيّدي قانون 1960 الظالـم.

أما إذا شاءت الظروف، وحكمت الأقدار، واستقرّ الرأي على "القانون الـمختلط"، وسلّم الـجميع بالأمر الواقع هرباً من قانون 1960، فلي رجاء واحد لدى أسياد القرار، أن تـجري الإنتخابات على مرحلتيـن : الـمرحلة الأولـى تأهيل الـمرشح على مستوى الدائرة الفردية أو الصغرى، ثـمّ الإنتقال بالذين تأهّلوا فقط إلى الـمرحلة الثانية، إن كان مع "القانون الـمختلط" أو غيـره. فالتأهيل يبدّد بعض الـهواجس، ويـخفّف بعض الغبـن، ويؤمّن قدراً مقبولاً من الـتمثيل الصحيح.

* مختار الجديدة، باحث وكاتب سياسي