من أحد تجليات المشهد الغرائبي الذي تدحرجنا إلى أطواره منذ الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان العام 2003، هو هذا التورّم الأسطوري لأعتى العصابات الدينية الإجرامية، ولصوص المذاهب والشرائع داعش والنصرة .

ومن يتتبع مشوار الجنون الجمعي والفردي الذي خلفه ذلك الاحتلال، هو هذا العدوان الكوني على سورية، حيث سيكتشف حجم الأدوار والمحاور للمجتمع الدولي حول هذه المنطقة التي اسمها الهلال الخصيب التي قال عنها الاسكندر المقدوني جملته المشهورة: «ماء هذا النبع في أنطاكيا يذكّرني بحليب أمي.. سورية هي وطني الثاني».

ليخرج شعبنا في كل هذا الهلال الخصيب من حالة «الشيزوفرينيا» و«الغيبوبة» وليقرأ ملامح ونتائج الحقيقة التي تواجهنا في خضم صراع المصالح الدولية الذي يخيم على أرضنا وآخر تجليات هذا الصراع هو ما يجري من حوار روسي أميركي لتحرير «عاصمتي» داعش: الرقة والفلوجة في هذه المرحلة من معارك استعادة المدن «السوراقية» إلى كنف الدولتين السورية والعراقية، وذلك قبل أن تصبح اتفاقية سايكس بيكو طريقاً جديداً لاتفاق سري ثنائي آخر، روسي أميركي، تُرسم خطوطه في الطريق الواصل بين الرقة والفلوجة، حيث يدور النزال بين بوتين وأوباما، فهل يخرج الثنائي متعادلين بالنقاط أم سنشهد انتصار أحدهما على الآخر بالضربة القاضية؟ وهل يذهب الهلال السوري الخصيب ضحية تقاسم نفوذ بين القوتين الدوليتين النافذتين على الأرض «السوراقية»؟

في ضوء هذا النزال الروسي الأميركي، يسير كرد سورية على خيط رفيع مشدود، وكلما حاولوا دفع أحلامهم للتحليق عالياً، يأتي الحاضن الأميركي ـ الروسي ليخفف من غلوائهم.

ولكن هل يمكن الثقة في النيات الأميركية؟

التجربة تقول لا..

صحيح أن الأميركيين هم مَن «تبنّوا» كرد سورية، ولكن على الكرد أن يحذروا منهم فلا تاريخهم الاستعماري يعطيهم شهادة حسن سلوك ولا حتى تاريخ علاقتهم مع أكراد العراق، ويدرك السيد مسعود البرزاني عدد المرّات التي خيّب فيها الأميركان كرد العراق. ولعل غدرهم بالملا مصطفى البرزاني لا يزال شاهداً على دور العم سام.

من هنا يجب أن نقرأ طبيعة تصويب بندقية القوات الخاصة الأميركية بالتعاون مع كرد سورية على «دواعش» الرقة، في حين أن فوهات البندقية الأميركية نفسها تبقى مفتوحة على كرد تركيا! فكيف يستقيم التعاون مع كرد سورية هنا والغدر بكرد تركيا هناك؟

بعد أن استولى تنظيم داعش على مناطق في العراق وسورية تحت أعين الأقمار الصناعية وتحليق الطائرات الأميركية، خرج أوباما في تموز العام 2015 ليعلن للرأي العام: «نحن ندرّب قوات «داعش»، وسنعجّل بتدريب «داعش» والعشائر السنيّة في محافظة الأنبار».

لكن ما لم يكن يتوقعه أوباما ولا مخابراته، هو دخول الروسي المفاجئ لمحاربة الإرهاب في سورية والمنطقة نهاية أيلول من العام 2915، في رسالة قوية من بوتين تقول، إذا كنتم تعتبرون روسيا عدو أميركا الأول، وتستطيعون ليّ ذراعها وإلحاق أذىً كبيراً بها، فها نحن في سورية نتحكم في الأرض والجو والبحر، نتحداكم، وسنفشل أهدافكم ومخططاتكم في المنطقة، فماذا أنتم فاعلون؟

لقد بلع الرئيس الأميركي لسانه بعدما تأكد لحلفائه أنه مجرد ظاهرة صوتية فقط، وأنه لا يقرأ الواقع إلا بواسطة نظارات تلائمه، وكانت «السوخوي على حقّ»، كما يقول الروائي والأديب الإريتيري «أبو بكر حامد كهال» صاحب رواية «تيتانيكات أفريقية»: السوخوي أجبرت مجلس الأمن على تعلّم اللغة الروسية.