في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني (قده)، لا بد أن نذكر الإنجاز الكبير للإمام الذي أسّس دولة العدالة والإسلام في إيران، وأرسى قواعد جديدة للعلاقات السياسية على المستوى الداخلي والخارجي، ووقف سداً منيعاً أمام الشيطان الأكبر أميركا التي تحكّمت بمقاليد الأمور في منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة من الزمن، ودعمت دعماً مطلقاً "إسرائيل"، التي أذلّت الشعوب العربية والإسلامية في العديد من المحطات التاريخية؛ في عام النكبة سنة 48، والعدوان الثلاثي على مصر عام 56، وحرب حزيران عام 1967، واعتدءاتها المتكررة على جنوب لبنان، الذي احتلته في عام 82، لنكون أمام "إسرائيل" الأسطورة التي لا يُهزم جيشها، والتي تهشّمت بعد انسحابها المذلّ من الجنوب اللبناني في العام 2000، نتجة ضربات المقاومة التي تأسّست ونمت بتبنّيها بشكل كامل من الإمام الخميني "قده".

هو ذاك الإمام الذي أرسى منظومة المفاهيم والقيَم الإسلامية في المجتمع الإيراني، وساهم في تكوين المجتمع النموذج، الذي يمكن الاقتداء به على مستوى شعوب العالم بغربه وشرقه، وأطلق مجموعة من الشعارات الرئيسة التي تشكل اللبِنة الأساس لريادة إيران كانموذج للعالم، ولمساعدة الشعوب للتخلُّص من العبودية والظلم، ومن هذه الشعارات: "الوحدة الإسلامية"، و"نصرة المستضعفين"، و"الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل".

لكن، ومع الأسف الشديد، حاول غالبية زعماء العرب، وعلى رأسهم السعودية والغرب وأميركا و"إسرائيل"، تشويه صورة الإمام الخميني وتجربته الرائدة، ومحاربتهما، وحاربوا شعاراته وامتدادات أفكاره، ليمنعوا تأثيره في شعوب المنطقة والعالم، كما حاولوا تشويه شعار ومفهوم "تصدير الثورة"، الذي تمّ تسويقه على أنه استعمار جديد للمنطقة، و"تسلُّط لدولة شيعية على الدول العربية وشعوبها" التي تنتمي إلى الطائفة السُّنية، وعلى هذا الأساس قرعوا طبول الحرب ضد إيران، وكانت الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، من أجل القضاء على هذه الثورة في مهدها، ولم ينجحوا في ذلك.

أقل الوفاء هنا أن ننشر المفهوم الحقيقي لشعار "تصدير الثورة" كما أراده الإمام، وقد عبّر عنه في الكثير من المناسبات:

"إنّنا لا نريد أن نُشهر سيوفنا ونهجم على الآخرين، نحن التزامنا الدفاع عن النفس.. فالدفاع واجب، إنّنا نريد أن نصدّر ثورتنا السياسية والثقافية إلى جميع الأقطار الإسلامية، ولو تمّ تصدير هذه الثورة المباركة فإنها ستحلّ المشاكل في أية منطقة تصلها".

ومن حديثه (قدس سره) في جمع من سفراء البلدان الاسلامية: "عندما نقول: لا بد من تصدير ثورتنا، يجب ألا يتبادر إلى الاذهان هذا المفهوم الخاطئ، وهو أنّنا نريد فتح البلدان.. إننا نعني بتصدير ثورتنا: أن تستيقظ الشعوب والبلدان، وأن تنقذ نفسها من المعاناة التي تعيش فيها، وتخرج من هيمنة الآخرين الذين ينهبون ذرواتها وذخائرها، في وقت تعيش هي الفقر والحرمان".

إن الوجهة الحقيقة لتصدير الثورة في نظر الإمام الخميني، هي تجسد قيم الثورة، وإعطاء النموذج الصحيح والواقعي للإسلام الذي يدعو إلى المحبة والوحدة والسلام، وفي الوقت نفسه يدعو إلى محاربة الظلم ومقارعة الظالمين.

الإمام الخميني لم يكن يوماً يرغب في إعلان الحرب على أحد من دول الجوار والآخرين، لأن منطلقاته الدينية لم تكن تسمح بذلك، انطلاقاً من رؤيته الفقهية التي تقول بالجهاد الدفاعي (ومعناه الدفاع على النفس في حالة الاعتداء الخارجي)، وحرمة الجهاد الابتدائي في زمن غيبة الإمام المهدي، وكذلك منطلقاته الأخلاقية والإنسانية.

لو استمع الزعماء العرب والمسلمين لنداءات الإمام الخميني المتعلّقة بالوحدة وتحرير فلسطين وإزالة "إسرائيل"، وتعاونوا معه، لكانت أمور المسلمين والعرب بألف خير، ولما وصلنا اليوم إلى ما حذّر منه الإمام الخميني من الفتن التي تعصف بسورية واليمن والعراق وباقي دول المنطقة.

في ذكرى رحيلك أيها الإمام "قده"، لا يسعنا إلا أن ننحني أمام رؤيتك الثاقبة لمستقبل الأمة، ولتجربتك الإسلامية الرائدة في إيران، والتي حققت حلم الأنبياء.