ما بعد الإنتخابات البلدية لن يكون كما قبلها، هذه حقيقة يُفترض أن تتوقف عندها الأطراف كلها، وأن تأخذ منها العِبر التي أشرنا إليها هنا غير مرة في الأسابيع والأيام الأخيرة، والتي أشار إليها كثيرون.

لقد كشفت هذه الممارسة الديموقراطية أن اللبنانيين إغتنموا السانحة الديموقراطية الأولى فعبروا عن آرائهم بامتياز، ومن دون أدنى شك بما لا يرضي أهل السياسة من الأطياف كافة. وبالتالي على هؤلاء أن يعيدوا النظر في سلوكياتهم السياسية أو الإنمائية أو المنهجية بصورة عامة.

نحن، على صعيد شخصي، توصلنا الى إقتناع راسخ مفاده أنّ الجميع كانوا «خاسرين»... الجميع من دون إستثناء... بمن فيهم، وربّـما في طليعتهم الذين ادعوا الإنتصارات الوهمية أو على الأصح الإنتصارات الواهية التي لا يُعتد بها ولا يُبنى عليها.

وفي تقديرنا أنّ الذين إبتهجوا بالفوز ضمن هذه البلدة أو تلك لم يأت إنتصارهم إلاّ بعد تحالفات «غير منطقية» استندت الى تحالف الاخصام في وجه «المدّ الحزبي». ثم أي إنتصار يمكن أن يدّعيه هذا النائب أو ذاك عندما تفوز اللائحة التي يدعمها والتي يرأسها خصمه أو ذاك عندما تفوز اللائحة التي يدعمها والتي يرأسها خصمه التقليدي، بينما سائر بلدات منطقته (بل دائرته) الإنتخابية لم يسجل فيها أي فوز يذكر؟

والثنائي المسيحي سجّل، بالتأكيد، حضوراً لافتاً في مناطق عديدة من الناقورة الى النهر الكبير، ولكنه لم يحقق النجاح في البلدات التي حولها الى «أم المعارك» وبالذات في تنورين والقبيات اللتين لهما خصوصية واضحة. ولا يعتد في أنّ بطرس حرب تحالف مع خصمه «الكلاسيكي» وكذلك فعل هادي حبيش، كما لا يعتد بأنّ كلاً من النائبين لم يراكم الإنتصارات في قضائه (وهو ما أشرنا إليه آنفاً) فالرجلان لا يدّعيان أنهما يشكلان تسونامي يمتد من الحدود الى الحدود.

وتيار المستقبل واجه وضعاً غير مريح موصوفاً ليس فقط في فشل اللائحة في طرابلس إنما في الضنية، وهذه حال واضحة لا يمكن تجاهلها لهذا التيار الذي، على مثال الثنائي المسيحي، لا يتوقف نفوذه وحضوره عند مدينة أو بلدة أو منطقة... بل هو عابر المناطق.

أمّا اللواء أشرف ريفي الذي حقق أهم إنتصار في المراحل الإنتخابية الأربع، فليس في مقدور أحد أن يشكّك في هذه الحقيقة، ولكن سجّلت عليه خطوة سلبية في إسقاط الطيفين المسيحي والعلوي من عداد الفائزين في عضوية المجلس البلدي لمدينة طرابلس. علماً أن هذين الطيفين ليسا طارئين على طرابلس... ولقد يكون مطلوباً من اللواء الذي عرف كيف يخاطب الناس أن يعرف كيف يحافظ على هذا الإنتصار العزيز الذي قطفه في لحظة تقاطعت فيها مصالح واهداف وظروف ربما فاجأ بعضها ريفي نفسه.

ولا يفوتنا أن نشير الى أنّ «المجتمع المدني» في زغرتا أثبت حضوره في هذه المنطقة التي لاشك في تفوق الوزير سليمان فرنجية فيها أساساً فكم بالحري بعد توافقه ورئيس حركة الإستقلال ميشال معوض، ويسجل لثنائي معوض - طوني فرنجية الشاب اجادتهما إدارة المعركة بما عاد عليهما بمردود إيجابي واضح. إلاّ أن تسجيل المجتمع المدني، ولأول مرة في زغرتا نحو 25 من الأصوات سيبقى علامة فارقة.

وفي هذا السياق يمكن تسجيل النقط البارزة التي حققها المجتمع المدني و «الصوت الآخر» جنوباً في مناطق نفوذ الثنائي الشيعي... وهي أرقام ذات دلالات.

وأهم التداعيات سقوط فكرة التمديد لمجلس النواب. وهذا إنجاز قائم بذاته.