لا يختلف إثنان على أنّ انتخاب رئيس الجمهورية يشكل كسراً لحلقة الجمود والشلل العام، ومنطلقاً لإعادة الدورة الديمقراطية إلى مساراتها الطبيعية. وما بين الواقع والمرتجى، ها هي الجلسة الـ40 لانتخاب رئيس للجمهورية تنعقد وما من دخان أبيض بعد. في الوقت عينه، يقتضي الواجب التطلع إلى معالجة بنيوية في ثلاثة محاور إلى جانب محورية انتخاب الرئيس، وتتعلق بوضع قانون انتخابات عصري لا مفر منه، وبإقرار قانون اللامركزية الادارية الموسعة، كما إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

اليوم، وفي سياق عودة البحث في ال​قانون الانتخاب​ي الأنسب، لا بد من الاعتراف إنّ المشاكل الجمّة التي تواجه المواطن في كلِّ يوم وما يطبعها من معاناة شاقّة، إنما تنتج من جرّاء خلل عضويٍّ في النظام التشغيليّ للمنظومة اللبنانية، وقانون الانتخابات أحد مداميكه!

أقول ذلك، ليس لأنّنا على أبواب انتخابات نيابية عامة، بل لأننا بتنا في عين العاصفة وفي خضمِّ أزمة وجودية خطيرة. رئيس الندوة البرلمانية نبيه بري أكثر من مدرك لخطورة الوضع، وما مسعاه في طرح مقاربات جامعة تختص بالقانون الانتخابي إلا واحدة من المحاولات لخرق جدار الكارثة. وما قول رئيس الحكومة ​تمام سلام​ إننا "أفشل دولة بمقاييس الالتزام بالدستور واستكمال عناصر الميثاقية..." إلا تكامل مع رئيس المجلس في التأكيد على حقيقة وضعنا.

لقد أثبتت التجارب الانتخابية السابقة وعلى دورتين، أنَّ الانتخابات، والقوانين كما المشاريع الانتخابية، كما الفوز بالانتخابات وتشكيل الحكومات، لم تستطع كسر حلقة الجمود والشلَل العامّ، بسبب عدم القبول بالأسس التي أنتجت مختلف هذه السلطات. وكل الطموح اليوم إنما يتجسد في التوصل إلى قانون انتخابي يكرس المناصفة ويحمي الشراكة وميثاقية الدستور، ويؤمن في الوقت عينه صحة التمثيل وعدالته. وهو الكفيل عند تبديد هواجس الجميع، بإعادة انتظام عمل كافة المؤسسات الدستورية بالتزامن مع انتخاب رئيس للبلاد، ورأس البلاد يبقى أولوية الأولويات.

في هذا الإطار، من المفيد التذكير ان لجنة الوزير الراحل فؤاد بطرس سبق أن واجهت خلال عملها وبعده، طروحات الدوائر الصغرى والقانون النسبي. ولاحقاً طرح ما يسمى ب​القانون الأرثوذكسي​، لتعود بالمقابل نغمة التمسك ب​قانون الستين​. إنه من البديهي حين تتضارب الطروحات إلى هكذا حد، أن يشكل القانون المختلط تسوية إيجابية للخروج من دائرة المراوحة القاتلة، إذا ما وجدنا الصيغة الملائمة له.

لقد لفتني مؤخراً توصل بري إلى قناعة تتمحور حول القانون المختلط كحل أنسب. إنه عين الصواب كما هو مبين في منطق الأمور، ويبقى هو قانون الضرورة والواقع. وعلى أهمية طرح أي قانون عصري آخر كمنتج رائد، يبقى الأهم في القدرة على تسويق هذا المنتج، والفوز بقبول الجماعات اللبنانية المتنوعة له. وشخصياً، ومنذ أن أطلقت قبل سنوات مشروع "لبنان الأفضل" الذي يبحث في التطوير البنيوي المطلوب للنظام التشغيلي للجمهورية اللبنانية، كنت على يقين ان المدماك الأساس يكمن في قانون الانتخابات المرتجى. وهذا ما شغلني طويلا مع فريق من الباحثين، لنتوصل إلى مشروع مختلط أسميناه "قانون الشراكة".

إن قانون الشراكة هذا يجمع ما بين كافة العناوين المطروحة في مشاريع القوانين المختلفة ضمن المحاور التالية: "النسبية" و"الأكثرية" و"المناطقية" و"الطائفية". وهو قانون إذ يلحظ هواجس مختلف المكونات اللبنانية من جهة، فهو في الوقت عينه يشدد على البعد الوطني العام. وهو يعتمد النظام الانتخابي المختلط المركب الذي يجمع ما بين النظام الأكثري وفق قانون الـ60 والنظام النسبي وفق مشروع اللقاء الأرثوذكسي.

بمعنى أوضح، يتم انتخاب 55 % من أعضاء مجلس النواب على قاعدة قانون الـ 60 الأكثري في تقسيماته القائمة، و45 % من أعضاء مجلس النواب على قاعدة القانون النسبي وعلى مستوى لبنان دائرة واحدة وفق ما يسمى بـ"الأرثوذكسي".

إن في إقرار هكذا قانون، تتكرس المناصفة إلى حد بعيد وتتأمن في الوقت عينه صحة التمثيل وعدالته، كما تتم حماية الشراكة وميثاقية الدستور. ومعه، تتحول الندوة البرلمانية إلى مجلس يجمع هموم المناطق والوطن في قضاياه العامة إضافة إلى هموم وقضايا مكوناته الطائفية الخاصة.

ومع هكذا قانون، نكون قد خطونا قدماً ضمن مسار سلس وخارج أي إعلان رسمي، نحو تحويل مجلسنا de facto إلى غرفتين: غرفة للتشريع العام وتحفيز الإنتاج، وغرفة أخرى للشيوخ كما في الكثير من الدول لتعزيز اللحمة الوطنية والرؤية الاستراتيجية، مقدمين النَّموذج الحيّ لدولة تنقلنا من الحروب المستترة إلى وطن السلام الدائم في لبنان أفضل، منتج ومبدع.