عندما أعلنت اميركا تشكيل قوة قتالية في سورية ترتكز برا على "قوات سورية الديمقراطية" "قسد" الكردية الطبيعة والأهداف وترتكز جوا على قوات التحالف الأميركي واناطت بها مهمة طرد داعش من شمال سورية ومن قطاع يصل الى الرقة في وسط البادية السورية الشرقية، عندما أعلنت اميركا ذلك وأطلق قائد جيوشها في الشرق الأوسط صفارة البدء بالتنفيذ وفقا لأمر العمليات الأميركي المعتمد، كانت تتوخى تحقيق واستغلال ما يلي:

1) استغلال حالة الانكفاء الروسي المعلن وتقليص حجم المساعدة الروسية العسكرية الميدانية التي قدمت للجيش العربي السوري والتي ساهمت في ترجيح كفة هذا الجيش والى تحقيق منجزات ميدانية هامة غيرت المشهد الميداني راسا على عقب، وقد اعتبرت اميركا ان تقليص المساعدة سيجبر الجيش العربي السوري الى العودة الى استراتيجيته قبل أيلول 2015 والتي ترتكز في معظمها على الأسس الدفاعية وتاليا توقفه عن اعمال التطهير واستعادة السيطرة على الارض.

2) تحقيق هدف عسكري ميداني لطالما عملت اميركا له وهو بناء منظومة عمل عسكري تكاملي ارضا وجوا يمكنها من الإمساك بالأرض من قبل قوى غير مصنفة إرهابية لا بل تكون بمثابة "قوى التحرير القومي" او الشعبي" وتكون بذلك قد حققت التوزان مع المنظومة القتالية السورية الوطنية الشرعية التي يمثلها الجيش العربي السوري بكل أسلحته مدعوما بقوى من محور المقاومة ولاحقا من الحليف الروسي.

3) وضع خطوط حمر شرقي وشمال سورية في وجه الجيش العربي السوري لمنعه من استكمال التطهير الذي بدأه في تدمر خاصة وان متابعته للاندفاع شرقا وتطهير دير الزور والرقة شمالا سيكون بمثابة المرحلة ما قبل النهائية للإعلان عن فشل العدوان على سورية.

4) انتاج بيئة ميدانية ملائمة لأطلاق مشروع التقسيم والتفتيت الصريح او المقنع للإجهاز على وحدة سورية الإقليمية والوحدة الوطنية لشعبها عبر دفع الاكراد للسيطرة على مساحات شاسعة في سورية تمكنهم من بناء كانتون خاص بهم يكون الأساس الذي يبنى عليه مشروع التقسيم.

من اجل ذلك كان الامر الأميركي لوفد ما يسمى المعارضة السورية المعتدلة بالانسحاب من جنيف ووقف المباحثات والإعلان عن اشعال الجبهات دونما أي مراعاة للقرار الدولي بوقف العمليات العدائية، فقد كانت اميركا ترى ان الواقع الميداني الذي كان قائما في سورية في منتصف نيسانابريل الماضي لن يمنحها أي فرصة لفرض مشروعها او تحقيق مصالحها في سورية كما تريد ولذلك رات ان العودة الى الميدان واحداث تغيرات جذرية فيه امر ضروري.

عودة يكون من شأنها حجب الإنجازات السورية التي تحققت منذ أيلول 2015 ، و منع سورية من تحقيق منجزات جديدة تراكم بها السابق ، و أخيرا اندفاع منظومتها القتالية المنشأة بقيادتها الفعلية رغم التلطي وراء القوى و الشعارات الكردية اندفاعها للسيطرة على ما يوازي ثلث سورية تقريبا و ربط منطقة عفرين غربا بالمنطقة ذات الأغلبية الكردية شرقا و محاصرة حلب حصارا تشارك فيه قوى إرهابية موصوفة و معلنة و قوى تتمنع اميركا عن تصنيفها بالإرهاب و تمعن تركيا في دعمها و امدادها بكل ما تحتاج اليه وصولا مؤخرا الى امدادها برجال النخبة من الوحدات الخاصة التركية للعمل في الشمال السوري في اطار المهمة الأميركية التي ذكرت كل ذلك ، و قطع الطريق على الجيش العربي السوري من استكمال تطهير المدينة في المعركة التي طالما تصاعد الحديث عن قربها و أهميتها .

على ضوء ذلك وفي تقدير عسكري و استراتيجي موضوعي توصلنا الى استنتاج بان اميركا في خطتها الخبيثة الجديدة أدخلت الازمة السورية في واحدة من اخطر مراحلها ، خاصة و انها مرحلة منفتحة على احتمالات و مخاطر تتصل بوحدة الأرض و الشعب و السيادة الوطنية فضلا عن التدخل الخارجي المباشر ، و رغم قناعتنا العميقة بان اميركا و معها تركيا و اخرين هم أساس العدوان على سورية منذ اللحظة الأولى لانفجار الازمة فأننا كنا نلاحظ قناعا تتخفى خلفه هذه الدولة او تلك للامتناع عن الظهور بمظهر المتدخل المباشر المنتهك لسيادة الدولة اما اليوم فكل ذلك سقط و بات كما هو واضح الجيش الأميركي و بعديد يلامس ال 800 عنصرا و الجيش التركي و بعديد يصل الى الالف يعملان مباشرة على الأرض السورية و بكل وقاحة و فجور و عدوان .

امام هذا المشهد المستجد ومع استمرار الانكفاء الروسي العلني او تقليص المساعدة الروسية العسكرية كان امام القيادة السورية ان تناقش وتعمل بواحد من خيارات ثلاثة:

1) الركون الى الامر الواقع وترك اميركا تنفذ خطتها الخبيثة الخطرة، ثم الذهاب الى جنيف لصرف النتائج على طاولة التفاوض ما يعني هدر او ضياع تضحيات بذلت على مدار نيف وخمس سنوات في الدفاع عن سورية وحقوقها وقيمها القومية والوطنية.

2) الوقوع في الفخ الأميركي والقيام بردات فعل انفعالية تقود الى الدخول في معارك غير محضرة وغير مضمونة النتائج، عبر المسارعة الى الرقة لقطع الطريق على دخولها من قبل قوات تساندها اميركا، والتفريط بالإنجاز الاستراتيجي في تدمر عبر التخفيف من القوات فيها لنقلها الى الرقة فضلا عن التوقف عن الاستعدادات لمعركة حلب الفاصلة.

3) اعتماد استراتيجية مركبة تمكن من الاحتفاظ بما في اليد وتجنب حقول الألغام الأميركية ثم قطع الطريق بشكل آمن على اميركا في توجهها الى الرقة او في انشاء المناطق المتصلة التي تتخذ أساسا لمشروع التقسيم.

وقد اختارت سورية بحزم وثقة بالنفس الخيار الثالث، وصاغت استراتيجية مركبة قوامها الاحتواء للدفاع عن مراكزها وتوجيه ضربات استباقية للعدو في مناطق تحشده من جهة ومن جهة ثانية وهو الأهم فيرتكز على متابعة زخم الهجوم شرقا باتجاه محافظة الرقة لإجهاض الخطة او الحلم الأميركي في انتاح التقسيم.

وفي التطبيق حققت سورية في فتح معركة محافظة الرقة مفاجأة استراتيجية وعملانية من العيار الثقيل واثبتت مع حلفائها في محور المقاومة ان قرار الدفاع عن سورية ووحدتها هو قرار للتنفيذ مهما كانت التضحيات ومهما كانت الكلفة والمدة، وعلى هذا الأساس نرى في معركة محافظة الرقة التي اجتازت القوات العربية السورية والحلفاء حدودها الإدارية في اتجاه الطبقة وهورا والرقة، متزامنة مع الثبات الصلب في حلب ومحيطها، نرى في ذلك عملا بالغ الأهمية والخطورة من شأنه ان يحقق او يثبت ما يلي:

أ‌) سوريا: لن تسمح سورية في انتاج أي بيئة او مشهد يمكن دعاة التقسيم والتفتيت ان ينجحوا في مشاريعهم.

ب‌) كرديا: لن يكون هناك صدام بين الجيش العربي السوري و"قوات سورية الديمقراطية" الكردية لان هذه القوى الشعبية تعلم علم اليقين بانه إذا كان لها الحق في مواجهة داعش والقوى الإرهابية التي دخلت الى سورية حيث تقيم فان ليس لها أي حق او شرعية في مواجهة الجيش الرسمي والشرعي للدولة وهناك أكثر من تجربة مؤخرا في هذا الخصوص انتهت الى الإقرار بسلطة الجيش من قبل تلك القوى، لذلك لا نرى في الأفق أي صدام حول الرقة تكون هذه القوى طرفا فيه ضد الجيش العربي السوري لا بل سنرى امتناع تلقائي من الاكراد في التوجه الى الرقة بعدما ادركوا القرار السوري الذي وضع موضع التنفيذ و هنا تكون اميركا ارادت شيئا فحصل نقيضه و لن يغير في الموقف ما يتناقل عن اتفاقات و تنسيقات حول هذا الموضوع مع اميركا فمعظم ما يقال يجافي الحقيقة.

ت‌) روسيا :ان الرقة وضعت جديا على طريق التحرير و لن تكون روسيا بعيدة عن هذه المعركة خاصة و انها لمست المخادعة الأميركية و السعي الاميركي الدائم لإجهاض كل ما جاءت روسيا الى تحقيقه في سورية سواء في الميدان لجهة ضرب الإرهاب او في السياسة لجهة تفعيل العمل على المسار السياسي وبذلك ستجد روسيا صبرها ينفد و تجد نفسها مضطرة الى العودة الى الميدان السوري بثقل هي تقدره و سيكون بشكل خاص على اتجاه الرقة و اتجاه حلب حيث ميدان اعمال الخطة الأميركية اما ما يقال عن تنسيق أميركي روسي مشترك على هذين الاتجاهين فاعتقد انه لا يعدو التنسيق السلبي الذي يمنع الاحتكاك و الصدام و لا يصل للتعاون و التكامل القتالي في الميدان .

ث‌) اميركيا وإرهابيا: لن تنجح اميركا في خطتها الجديدة ولن تستطيع ان تنتزع الرقة وترسم حدودا كانتونية حولها ثم ان معارك "قسد" في منبج والباب ومحيطهما لن تقود الى استقرار في المنطقة يمنع على الجيش السوري عملياته المستقبلية في سعيه لاستعادة السيطرة عليها والامر ذاته يصح تماما في حلب وريفها.

اما في السياسة والعمل على مسارها فاعتقد انها ستبقى في اجازه تستهلك شهر رمضان على الأقل ويكون الميدان هو الأساس ونتائجه هي من يحدد المسار ولا يبدو انها نتائج تعاكس المصلحة السورية العليا ولا تعاكس الأهداف التي خاض من اجلها محور المقاومة الحرب الدفاعية الى جانب سورية منذ 5 سنوات.