على الرغم من تلاقي كل القوى السياسية حول المطالبة بقانون جديد للانتخابات، غير أن هذه النوايا السياسية يبدو أنه حتى الساعة يوجد استحالة في ترجمتها على أرض الواقع من خلال التوصّل إلى صيغة يُجمع عليها الجميع، وهذا الأمر يدفع بالمشككين في الأصل في إمكانية توصل اللجان النيابية المشتركة إلى الهدف المرتجى إلى القول بأن الوقت بدأ يضيق، وأن قانون الستين ربما يكون وحده على الساحة عندما يحين موعد ولوج الاستحقاق النيابي في حزيران المقبل موعد انتهاء مفعول التمديد الثاني لمجلس النواب.

وإذا كانت المعايير التي يجب اعتمادها في توزيع الدوائر هي أم المعارك داخل اللجان على حدّ تعبير أحد النواب المشاركين في جلساتها، فإن ما قاله بالأمس النائب روبير غانم بأن تأجيل الجلسة المقبلة إلى الثاني والعشرين من الشهر الحالي بعد أن تكون طاولة الحوار بحثت في النقاط الخلافية وأي قانون يجب أن ترسو عليه سفينة اللجان ما إذا كان المختلط أو النسبي، يُؤكّد المؤكَّد بأن قانون الانتخاب أو أي استحقاق كبير من هذا النوع من غير الممكن إنجازه ما لم يكن جحر أساس النقاش حوله مبنياً على تفاهم سياسي مُسبق، وما دام هذا العامل غائباً فإن ذلك يعني أن اللجان المشتركة ستبقى تدور في حلقة مفرغة وأن أي نوع من القوانين الانتخابية لن يبصر النور ما دام الانشطار السياسي الموجود حالياً هو المهيمن على مسار النقاش بين القوى المتخاصمة على الطاولة.

وفي رأي مصادر نيابية أنه من العبث عقد اجتماعات لاستخراج قانون انتخاب جديد يؤمّن التمثيل الصحيح، ما دام هناك من يريد تفصيل قانون على قياسه يؤمّن من خلاله استمرار وجوده السياسي ويحميه من السقوط أمام التغيير الكبير الذي يحصل في مزاج الرأي العام والذي تُرجم بشكل واضح في الانتخابات البلدية التي تتهرّب غالبية القوى السياسية من قراءة نتائجها بشكل جدّي وشفاف وحقيقي ويحاولون تقزيم الأمور على أنها حدث عادي لا يمكن أن يكون لها أي تأثير فعّال في الانتخابات النيابية.

وتستغرب المصادر كيف أن القيادات اللبنانية ترى بأمّ العين ولديها من المعطيات ما يكفي بأن المنطقة أمام المزيد من ارتفاع منسوب التوتر والحريق، وأن قابل الأيام يُنبئ بالأسوأ وهو ما أشار إليه مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يملك كمّاً هائلاً من المعلومات على المستويين المحلي والخارجي بقوله أن لبنان يقف على قارعة طريق دولية تجعل استقرارنا الراهن حرجاً... وأن الحريق في المنطقة يطرح مروحة إحتمالات أقلّها إنهيار دول بتاريخها وحضارتها، وتقف عاجزة عن معالجة العديد من القضايا والملفات التي تعتبر حاجة ضرورية لبناء أو بقاء أي دولة، ناهيك عن التحذير القوي من البنك الدولي على المستوى المالي ويكاد ذلك يكون المرة الأولى في تاريخ لبنان، حيث شهد الكثير من الحروب والاقتتال ولم يصل في أي مرحلة من المراحل إلى عتبة الإفلاس كما يحصل اليوم.

من هنا فإن المصادر لا ترى أي بصبص نور يلوح في أفق لبنان المقفل إن على مستوى الانتخابات الرئاسية أو على مستوى قانون الانتخاب أو أي استحقاق آخر، وأن كل هذه المسائل يبدو أنها ستبقى على ما هي عليه اليوم بانتظار بعض المحطات البارز من بينها الانتخابات الأميركية حيث من المتعارف عليه بأن الإدارة الأميركية تغلق نوافذها على الخارج قبل أشهر من موعد هذه الانتخابات وهذا يعني أن أزمات المنطقة ستبقى مفتوحة إلى ما بعد إنجاز هذا الاستحقاق، وما دام الملف اللبناني معلّقاً على حبال هذه الأزمات فهذا يعني أن الشغور الرئاسي سيستوطن في قصر بعبدا مُـدّة إضافية، وأن قانون الانتخابات لن يبصر النور قبل حزيران المقبل موعد انتهاء التمديد الثاني للمجلس.

وفي تقدير المصادر أن لبنان دخل مدار الوقت الضائع وأنه يُخشى أن يرتفع منسوب التوتر السياسي في هذه الفترة في إطار تحصين المواقع ومحاولة كل فريق تسجيل نقاط في مرمى الفريق الآخر تماشياً مع ما يمكن أن يطرأ من مستجدات على صعيد تطورات المنطقة التي على ما يبدو بدأت ترسم خارطتها من جديد على وقع الحديد والنار من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق، وأن هذا المخاض ربما يأخذ بعض الوقت وهو ما يبعث على الخوف من أن يكون لبنان في مقدمة الدول التي ستدفع الإثمان إلى حين بلوغ التسوية الكبرى للمنطقة، كونه من أكثر الدول التي لا تشهد حروباً يعيش حالة من اللاتوازن السياسي الذي ينعكس حتماً على مختلف الأوضاع، هذا عدا عن المعضلة الكبيرة التي لا يُدرك الكثيرون أبعاد مخاطرها في المستقبل وهي النزوح السوري الذي بات يُشكّل قنبلة قابلة للإنفجار في وجه اللبنانيين في أية لحظة، خصوصاً وأن الأروقة والمحافل الدولية بدأت تشهد حركة فعلية وجدية تجاه إمكانية أن يتم توطين بضعة آلاف منهم في الدول المستضيفة على الرغم من نفي هذا الكلام على لسان أكثر من مسؤول دولي، والغريب في الأمر أن المسؤولين اللبنانيين يتحدثون حول هذه الأزمة مع الموفدين الدوليين من زاوية المطالبة بمساعدة لبنان مالياً لتأمين مستلزمات العيش لهؤلاء النازحين من دون التطرّق لتأمين عودتهم إلى قراهم ومدنهم، وهو ما يعكس انطباعاً بأن المسؤولين اللبنانيين غير مدركين بشكل فعلي للتداعيات التي ستتسبّب فيها هذه القضية ما لم يتم وضع إطار دولي معيّن يحتّم على النازحين ترك الدول المستضيفة والعودة إلى المناطق التي باتت آمنة في سوريا، ليس فقط على المستوى الاقتصادي بل على المستوى الأمني أيضاً.