في الوقت الذي تبذل فيه القوى الأمنية المزيد من الجهود لملاحقة الخلايا الإرهابية، يتزايد عدد ضحايا ​الرصاص الطائش​ الذي يطلق في مختلف المناسبات، سواء كانت حزينة أم سعيدة، في ظاهرة مُتخلِّفة بات من الضروري التوقف عنها، نظراً إلى تداعياتها الخطيرة التي تفوق في بعض الأحيان ما تقوم به الجماعات المتطرفة، مثل "داعش" و"النصرة"، بالإضافة إلى إستسهال البعض اللجوء إلى إستخدام السلاح حتى ولو كان الأمر على خلفيّة خلاف على أفضلية مرور، حيث يسجل بين يوم وآخر سقوط ضحية لأتفه الأسباب.

إطلاق النار في الهواء أو السلاح المتفلت من دون رادع، هو إرهاب لجميع المواطنين، عندما يكونون في منازلهم أو على الطرقات، وبالتالي لا يجب أن تكون العقوبة، في حال لم يتمّ لفلفة القضية منذ البداية، مجرد غرامة مالية متدنية أو حبس لبعض الأيام في أفضل الأحوال، في حين من الممكن أن يؤدي هذا الفعل إلى سقوط ضحايا، فالرصاصة المطلقة لن تختفي في السماء بل ستسقط حتماً على الأرض في نهاية المطاف.

في هذا السياق، يتطرق مصدر أمني مطلع، عبر "النشرة"، إلى مختلف جوانب هذه الظاهرة الخطيرة، التي يعتبر أنها عادة سيئة تعود إلى سنوات طويلة إلى الوراء، لكنها تضاعفت في سنوات الحرب اللبنانية، ومن ثم في الفترة الأخيرة في ظل ما يجري على مستوى المنطقة، ويستغرب كيف أن البعض مقتنع بأن إطلاق النار في الهواء قد يكون "تكريماً"، خلال الفرح أو الحزن، فهؤلاء يعتقدون أن ذلك يرفع من شأن "المكرم"، في وقت من الممكن أن يكون الثمن خسارة مواطن آخر لحياته من دون سبب.

من وجهة نظر هذا المصدر، المشكلة بحاجة إلى معالجة من جميع النواحي السياسية والأمنية والإجتماعية، والمطلوب تضافر كل الجهود في سبيل القضاء عليها، نظراً إلى أن حجمها كبير جداً يتطلب تغيير مفهوم سائد في المجتمع، والأمر لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، ويعتبر أن البداية يجب أن تكون عبر "نبذها" من قبل الفعاليات والإجتماعية والدينية، ومن ثم الأحزاب والقوى السياسية التي عليها أن تنهى جمهورها عنها، خصوصاً أنها ترافق إطلالات الزعماء الإعلامية وخطاباتهم، ومن ثم يأتي دور المواطن الذي عليه التعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل الإبلاغ عن مطلقي النار.

ويوضح المصدر الأمني أن المواطنين لا يزالون يتعاملون مع هذه الظاهرة على أساس أنها "بسيطة"، فيرفضون الإبلاغ عمن يرتكبها أو يترددون في إعطاء المعلومات، في حين أنها قد تكون الأخطر على الإطلاق لأن كل رصاصة قد تؤدي إلى سقوط قتيل أو جريح، ويؤكد بأن القوى الأمنية عندما يكون إطلاق النار من قبل عشرات المواطنين، في الوقت نفسه، لا تستطيع أن تقف تحت نافذة كل منزل.

بالنسبة إلى تصاعد هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، يشدد المصدر على أن هذا الأمر غير صحيح، بل يتحدث عن تراجعها، لكنه يوضح أن هناك تزايدًا في عدد الضحايا، الأمر الذي يساهم في تسليط الضوء عليها، ويكشف عن مبادرة الأجهزة الأمنية إلى الإعلان عن توقيف مطلقي النار، بالإضافة إلى إقامة حملات التوعية على مواقع التواصل الإجتماعي.

بالتزامن مع دور الأجهزة الأمنية في ملاحقة مطلقي النار، يأتي دور السلطة القضائية التي عليها التشدد في إنزال العقوبات على الموقوفين، بدل الذهاب إلى تلك "المخففة"، والتي تكون عادة عبارة عن غرامة مالية لا يمكن أن تشكل قوة رادعة لمنع تكرار فعل الجريمة.

على هذا الصعيد، من الضروري ذهاب المجلس النيابي إلى إقرار إقتراح القانون المقدم من عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ​غسان مخيبر​، الذي ينص على ملاحقة ومعاقبة كل من يطلق النار في الهواء من سلاح مرخص أو غير مرخص، والذي حصل على تأييد 10 نواب ينتمون إلى جميع الكتل.

في حديث لـ"النشرة"، يشدد النائب مخيبر على أن إنتشار هذه الظاهرة أمر يستلزم التشدد في وقفها ومعاقبة المجرمين، ويوضح أن هذا الجرم بموجب النصوص الحالية هو كناية عن جنحة، لكن هذا لا يمنع التشدد في التطبيق إلى حين سد الثغرات، لا سيما لناحية تخيير القاضي بين الحبس والغرامة المالية المتدنية والحديث عن اطلاق النار في أماكن آهلة فقط، في حين أن هذا الجرم قد يحصل في أماكن غير آهلة لكن يؤدي لسقوط ضحايا.

إقتراح القانون المقدم ينص على معاقبة "كل من أقدم لأي سبب على إطلاق نار من سلاح حربي مرخص أو غير مرخص بالحبس من 3 إلى 6 سنوات ودفع غرامة مالية تقدر بـ10 أضعاف الحد الأدنى للاجور ومنعه من الحصول على رخصة سلاح، أما اذا أدى الفعل إلى الموت، فيعاقب بالأشغال الشاقة من 10 إلى 15 سنة، ودفع غرامة مالية تقدر بـ20 الى 25 ضعف الحد الأدنى من الاجور، واذا أدى إلى بتر أعضاء يعاقب بالأشغال الشاقة 10 سنوات ودفع غرامة تقدر بـ15 إلى 20 ضعف الحد الأدنى من الاجور".

بالنسبة إلى النائب مخيبر، يجب وقف هذه الممارسات التي هي جرائم متمادية خطيرة جداً، ومعاقبة القائمين بها، سواء أدت أو لم تؤد إلى سقوط ضحايا ومهما كان سبب إرتكابها، ويعتبر أن الجهود يجب أن تكون على 3 محاور أساسية، أولها التشدد في تطبيق القانون الحالي الذي يجرم إطلاق النار، من خلال الملاحقة الأمنية عبر الأجهزة الرسمية، وإنزال العقوبات من قبل القضاء عندما يضع يده على أي قضية، والذهاب إلى الحبس بدل الإكتفاء بالغرامة المالية.

أما المحور الثاني، فهو التشدد في الأحكام القانونية المطبقة من خلال سد الثغرات الموجودة في القانون النافذ، وهو الأمر الذي يتناوله إقتراح القانون المقدم، في حين يتعلق المحور الثالث بالبعد الإعلامي والتثقيفي، فلا يمكن معالجة هذه الظاهرة القديمة العهد، من دون تضافر كل الجهود، ويدعو وسائل الإعلام إلى المساهمة في حملة تساعد في إخراجها من الإطار الإجتماعي إلى الإطار الجرمي.

في الآونة الأخيرة، لجأ أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله إلى التحذير من خطورة هذه الظاهرة، والإعلان عن محاسبة من يقدم على إطلاق النار من أنصاره خلال إطلالاته التلفزيونية، لكن هذا الأمر لم يمنع سقوط المزيد من الضحايا خلال مناسبات أخرى، منها السياسي والرياضي والإجتماعي، ما يحتم على كل من هو قادر المساعدة لمنع هذه الظاهرة، فلا أحد يعلم من تكون الضحية التالية في ظل إنتشار السلاح بين أيدي أشخاص لا يعرفون خطورته ولا يدركون تداعيات ما يقومون به.