لا تُفاجئ حركة ومواقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري التي أعلنها في الساعات الـ48 الماضية كثيرًا رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون والمقربين منه، فهؤلاء يعون تمامًا حجم الهوة بين الرابية وعين التينة، والتي لم تنجح كل محاولات ردمها نظرًا لغياب الحد الأدنى من المودة والقدرة على التفاعل بين الزعيمين. ولكن ما تُدركه شخصيات الصفّ الأول في "التيار الوطني الحر" لا يستوعبه حتى الساعة الجمهور العوني المصدوم بتحول من كانت تصوره له الرابية حليفا أساسيا، لخصم أول وعقبة استراتيجية في طريق العماد عون الى قصر بعبدا. راهن هذا الجمهور ولا يزال على وساطة "حزب الله" لرأب الصدع بين حليفيه، إلا أنّه يفقد مع مرور الوقت ثقته حتى بالحزب الذي لم يُظهر بعد أي استعداد لـحث بري على التراجع عن مواقفه الأخيرة أو أقله التخفيف منها لتمرير جلسة 31 من الشهر الجاري بسلاسة، ومن دون أن يؤثر اعتراض "أمل" على رئاسة عون وعلى مواقف فرقاء آخرين وعلى رأسهم رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​.

إلا أن تدهور الأمور في الساعات الـ24 الماضية بشكل غير مسبوق وبالتحديد لجهة اندلاع سجال عالي النبرة بين الطرفين، لا يوحي بامكانية لملمة الوضع قبل نهاية الشهر خصوصًا مع اعتبار بري وفريقه الاتفاق بين عون ورئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ بمثابة مؤشر للعودة لـ"ميثاق 1943" الذي ولّد برأيهم الحرب اللبنانيّة. وتستغرب مصادر مطلعة "هذه الحدّة في التعاطي، والتي ارتأى بري اعتمادها من دون مقدّمات علمًا أنّه يعي تماما أن عون ما كان ليذهب الى جلسة 31 الشهر الجاري من دون الوقوف عند خاطره وحتى أخذ رضاه"، معتبرة أن إصراره على وجوب ان يكون هناك تفاهم مسبق معه، قبل صياغة اي تفاهم حريريّ-عونيّ، "بمثابة دلع لا يتماشى مع المرحلة والظروف الحاليّة، لا سيّما أنّه يعي أكثر من غيره أن الحريري وعد عون أكثر من مرة بالسير بترشيحه من دون أن يفعل ذلك، من هنا كان إصرار الرابية على وجوب الحصول على كلمة نهائية من بيت الوسط قبل فتح باب التفاهمات مع باقي الفرقاء".

وتعتبر المصادر أن بري "يتعاطى حاليا مع الملف الرئاسي كما لو أنّها مسألة حياة أو موت، إذ يتخوّف من أن تنجح الثنائية السنية-المسيحية بالتحكّم بالعهد المقبل ليصبح الشيعة خارج اللعبة السياسية". وتتساءل المصادر: "اذا كان "حزب الله" يبارك التفاهمات التي تحصل ولا ينفكّ يعلن ثقته وتمسكه بالعماد عون... فهل يكون بري أكثر حرصًا على الشيعة من الحزب؟"

ولعل أبرز ما شهدته الايام القليلة الماضية وترك صدى في النفوس بعدما تم ربطه بالتطورات الأخيرة على الصعيد الرئاسي وتصعيد بري بوجه عون وتنبيهه من حرب لبنانيّة لا مقوّمات داخليّة او حتّى خارجيّة لها، العراضة العسكريّة التي أقامتها حركة "أمل" يوم الجمعة الماضي ونقلت مباشرة على شاشة الـnbn والّتي أعطت إيحاءات عن استعدادات عسكرية للحركة، التي ظلت حتى زمن ليس ببعيد تتمسك بسلاح الجيش والمقاومة وحدهما، فاذا بها تُرسل إشارات غريبة لاحتمال حصول أحداث وتطورات لا تزال غير معلومة!

واذا ما تمّ تجميع مجمل ما أعلنه أو تم نقله عن بري خلال الأسبوع الماضي، يتبين للمتابع أن ما تعيشه عين التينة حاليا لم تعرفه منذ زمن، فالتلويح باللجوء الى صفوف المعارضة والاستعراض العسكري وصولا للتحذير من حرب لبنانيّة، كلها مؤشرات لتحدّيات جمّة تواجه رئيس المجلس النيابي تضاف الى التحدي الأبرز الذي لم يتمكن بعد من تخطّيه، ألا وهو تهيئة من يخلفه إن كان على رأس حركة "أمل" أو البرلمان.

أما ما قد يخفّف من وطأة كلّ هذه التحديات على عين التينة، فهو معرفة أنّها لا تواجهها بمفردها، بل إنّ كل الأحزاب دون استثناء تواجه متاهات مماثلة وحتى أكثر تعقيداً، لدرجة أنّ مصير قادتها بالجملة على المحكّ، بعدما أصبح رهن التحولات الحاصلة، وأبرز هذه الأحزاب تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر" على وجه التحديد...