لم يعد وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ والذي كان بالأمس القريب الشخصية الأقوى من حيث قدرته على تحقيق التوافق حول شخصه بين فريقي 8 و 14 آذار لرئاسة الحكومة المقبلة، يتصدر وحيدا لائحة المرشحين بعد تحديين كبيرين خرج منهما مصابا اصابات بليغة، مشوها صورته في الشارع السني بعد تحدي سجن رومية، كما في الشارع اللبناني بشكل عام جراء مواجهته ناشطي المجتمع المدني بالرصاص الحي وفشله بادارة الأزمة المستمرة.

لكن خسارات المشنوق تقتصر حاليا على المستوى الشعبي لا السياسي، علما أنّه لم يكن يوما تلك الشخصية المقربة من الناس وهو لم ينفك بالابتعاد عنهم مع مرور الوقت لاقتناعه بأن ما سيوصله الى رئاسة اي حكومة مقبلة توافق سياسي بمباركة اقليمية-دولية. ويعي وزير الداخلية الحالي أنّه يحظى بهذه المباركة منذ مدّة لذلك يتطلع حاليا الى الحفاظ على المكتسبات التي حققها على صعيد التواصل مع الزعماء اللبنانيين.

وأكثر ما يخشاه المشنوق راهنًا الدخول بمواجهة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، كونه يعي تماما قدرة ووزن هذين الرجلين اللذين لا يمكن تخطيهما في أي تسوية قد تأتي به رئيسا لمجلس الوزراء. ولكن الأسهم التي تلقاها منهما على خلفية تظاهرة 22 آب وما تلاها من مواجهات بين الناشطين والقوى الأمنية جعلته يتراجع قليلا الى الوراء ليعيد حساباته وللنظر بخلفيات دعوته للاستقالة من قبل جنبلاط وتوكيل بري شرطة مجلس النواب الرد عليه، ما قرأه تراجعا مدوّيًا بالعلاقة مع عين التينة.

وتشير مصادر مطلعة الى ان الدعم الغربي الذي يتلقاه المشنوق وبالتحديد الدعم الأميركي يبقي ورقته على الطاولة هي الأبرز بالرغم من كل العواصف التي تسعى لاقتلاعها، كما ان رضا "حزب الله" عليه والذي لم يهتز جراء التطورات الأخيرة، يشكل عنصر قوة يتمسك به الوزير المشنوق ويسعى لتدعيمه بالتقرب من رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون وباقي قادة فريق "8 آذار".

وبالرغم من كل الشظايا التي تلقاها حتى الساعة، يبقى وضعه على مستوى "تيار المستقبل" الأفضل دون منازع، فلا رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة عاد لينافسه ولا وزير العدل ​أشرف ريفي​ يقترب حتى من المنافسة، باعتبار أن ورقتي الرجلين احترقتا منذ فترة طويلة نتيجة علاقتهما المترديّة جدا مع "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" مجتمعين.

وما قد يشكل عنصر طمأنة اضافي للمشنوق، تردي احوال رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ نتيجة التراجع المدوي بعلاقته مع صنّاع القرار في المملكة العربية السعودية، وهو ما يؤدي حاليا لانعدام حظوظه برئاسة أي حكومة جديدة حتى ولو أتت باطار سلة تسويات متكاملة.

ويبقى رئيس الحكومة ​تمام سلام​ الوحيد الذي ينافس المشنوق على رئاسة الحكومة المقبلة، اذ تشير المصادر الى ان سلام وبالرغم من كل الاخفاقات المتتالية التي شهدتها حكومته على صعيد عملها، لا يزال الأكثر حكمة وترويا بالنسبة لـ"حزب الله" الذي لا يُمانع بتسميته مجددا كرئيس للحكومة المقبلة.

بالمحصلة، قد يظنّ البعض ان فتح الباب على معركة رئاسة الحكومة سابق لأوانه، لكن المطّلع عن كثب على تسارع التطورات ان كان في الشارع اللبناني او على صعيد الملف السوري، يعي تماما انّه قد بدأ اعداد طبخة لا تزال مجهولة المكوّنات تقدم الى السفرة اللبنانية خلال وقت ليس ببعيد.