لا يختلف اثنان على ان العلاقة بين "حزب الله" والسعودية ليست "سمناً وعسل" بل لطالما كانت اشبه بالحرب الباردة التي يحرص فيها الجانبان على المحافظة على "شعرة معاوية"، مراعاة للاوضاع في المنطقة عموماً وفي ​لبنان​ بشكل خاص، ناهيك عن ان اي تصرف للحزب ينسب بشكل اوتوماتيكي الى ​إيران​ التي ستتحمل المسؤولية.

في بعض احلك الظروف، بقيت العلاقة بين السعودية و"حزب الله" في مرتباتها الدنيا دون ان تنقطع، رغم الاتهامات المتبادلة والكلام الكبير الذي قاله كل منهما بحق الآخر، ولكن في هذه الفترة تحديداً، وصلت الامور الى ما يمكن تسميته بـ"كسر الجرّة"، فما الذي حصل؟

لم يكن الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اكثر وضوحاً ومباشرة في الهجوم على السعودية كما كان خلال لقائه السنوي مع المبلّغين وقارئي العزاء قبل يومين، حيث شنّ هجوماً غير مسبوق عليها. ويرى الكثيرون ان هذا الهجوم اتى في وقت محدد برزت خلاله معطيات اقليمية عديدة لم تعد تترك المجال امام المعادلات القديمة لتبقى قائمة، بل افسحت المجال امام أخرى جديدة ستترك بصماتها على مستقبل المنطقة برمّته.

وعلى الرغم من ان السعودية حافظت على اهميتها في الفترة الاخيرة، خصوصاً مع التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا (وربما يتوسع الى ​العراق​) للمرة الاولى، الا انه وفق رؤية "حزب الله" وايران، فإن السعودية لن تكون الحلقة الاقوى في الشرق الاوسط كما كانت عليه منذ عقود من الزمن، وان الاميركيين والاوروبيين مقتنعون بامكان سحب القرار الواحد من يدها في ما خص المنطقة، وتوزيعه على اكثر من لاعب وفي مقدمهم بطبيعة الحال: ايران.

ومن المنطقي القول انه في ظل ما يرسم من واقع سياسي، والاهم جغرافي جديد، لن يرضى الجميع بما كان عليه الامر في السابق، وبدأت دول عدة تبحث عن دور لها لتوسيع نفوذها وصلاحياتها وجوارها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تركيا.

وحتى من الناحية الدينية، لم تعد السعودية تحظى بالهالة التي كانت تظلّلها، ولعل حادثة التدافع في منى خلال ​موسم الحج​ خير دليل على ذلك. فللمرة الاولى، تعلو اصوات اسلامية تراوحت مطالبها بين اجراء التحقيقات الشفافة ومعاقبة المسؤولين، ومشاطرة همّ الحج مع دول اسلامية اخرى بحيث لا تكون السعودية وحدها المسؤولة.

كل ذلك اضيف الى المشاكل الداخلية التي تعاني منها السعودية منذ وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، ووصول الملك ​سلمان بن عبد العزيز​ الى السلطة والصراع القائم الذي ادّى الى تغييرات دورية في المناصب الوزارية والادارية المهمة.

وامام هذا الواقع، بات التعامل مع السعودية من منظارين: الاول يقضي بالتعاطي معها بطريقة جديدة اشبه بالندّية كونها فقدت قسماً كبيراً من قوّتها ويمكن ان تقدم تنازلات اساسية وجوهرية لم تكن لِتُقْدِمَ عليها منذ سنوات قليلة. وشبّه البعض هذه الطريقة في التعاطي الجديد مع السعودية، كالتعاطي الدولي الذي يتم حالياً مع الرئيس السوري ​بشار الأسد​ الذي لا بد له من تقديم تنازلات كبيرة من اجل البقاء في اللعبة، وهو بطبيعة الحال لن يحظى بالمكانة التي كان يتمتع بها قبل الحرب.

اما المنظار الثاني في التعاطي مع السعودية، فيكمن في استباق توقع ما سيحصل فيها من تغييرات على صعيد السلطة والقيادات بحيث ستكون هناك رؤية جديدة ومفهوم جديد قد يكون اكثر انفتاحاً.

وفي كلا الحالتين، يظهر "حزب الله" بمظهر المطمئن لعدم تأثر الوضع الداخلي في لبنان بالهجوم الذي يشنه على السعودية، لانه يعلم ان الامور لم تعد في يدها لوحدها، بل ان لبنان يقبع حالياً تحت مظلة دولية جعلت امنه واستقراره اولوية، وفرضت بالتالي ان يبقى الحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" على حاله مهما تعاظمت الخلافات والاختلافات في وجهات النظر، والا لكان هذا الحوار نسف من اساسه لاسباب اقل اهمية.

كما ان هذا الهجوم لن يترك اي تأثير على الملفات العالقة واولها رئاسة الجمهورية والحكومة، لأنّ حلهما وكما قال نصرالله شخصياً، ليس بيد طرف واحد، من هنا يمكن استشفاف سبب اطمئنان "حزب الله" الى عدم حصول اي تداعيات دراماتيكية على هجومه العنيف على السعودية.