كتب أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري في رسالة هاتفية، بعد إزالة صورة وزير العدل المستقيل اللواء ​أشرف ريفي​ في صيدا: "مدينة صيدا مسكّرة"، في اشارة منه الى ان المدينة توالي رئيس التيار ​سعد الحريري​ فقط. فبعد أنْ كان تيار المستقبل في عهد مؤسسه ​رفيق الحريري​، يمتدّ من شبعا الى عكار، أصبح اليوم يتعكّز على عبارة "صيدا مسكّرة".

لم تتضاءل قاعدة تيار المستقبل من فراغ، فمنذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005، واستلام نجله سعد الحريري للتيار، اتخذ حجم القاعدة الجماهيرية منحى تنازليا. وفي هذا السياق تشير مصادر قريبة من المستقبل لـ"النشرة"، الى ان "تيار المستقبل أيام الحريري الأب، شكّل المظلّة الكبيرة التي تجمع تحتها القيادات وكان زعيمه قائدا وطنيا عابرا للمناطق والطوائف، اما بعد اغتياله فتحوّل التيار الى مظلاّت صغيرة تجمع في كنفها فئة هنا ومجموعة هناك، وأصبح رئيسه سعد الحريري منافسا على زعامة شارع وحيّ، فالابن لم يعرف كيفية المحافظة على إرث والده".

وتضيف المصادر: "لا يملك سعد الحريري خطابا سياسيا واضحا بسبب الخسائر التي تكبدها تياره، وأدّت الى خسارة قسم كبير من مؤيديه وهذا ما تأكد خلال الانتخابات البلدية، لذلك تحوّل خطابه الى طائفي ومذهبي في محاولة منه لشدّ عصب الشارع السنّي حوله مجددا، وهذا ما لم يحصل". فبحسب المصادر "فشل خلال شهر رمضان في طرابلس وبدل ان يزور المدينة ليحضن الجميع كما كان يفعل والده، صوّب سهامه نحو ريفي، فعاد مجددا الى الشارع والحيّ".

يقول عمر وهو شاب طرابلسي خرج من عباءة تيار المستقبل منذ فترة: "نحن من الذين عشقنا رفيق الحريري وتياره وبذلنا الجهد وأكثر لأجله، ولكن الأمر اختلف مع استلام الحريري الإبن لزعامة التيار"، مشيرا الى ان "تعاطي الحريري مع جمهوره أوصله لما هو عليه اليوم، فلو صارحنا مثلا بوضعه المالي لكنا دعمناه ووقفنا الى جانبه ورفضنا ان يهزّه أحد، ولكن للأسف غادر لبنان لسنوات، وأصبح همّ التيار كيف يعطي "مشاريع الدولة" الى شركة جهاد العرب بأضعاف كلفتها الحقيقية".

الى المذهبية در

لا تقتصر خسائر تيار المستقبل على أعداد الجمهور، فمن يلاحظ وسائل التواصل الاجتماعي يكتشف ان فئة كبيرة من هذا الجمهور تحوّل القضايا التي يواجهها لبنان ومحيطه الى طائفية ومذهبية، وآخرها كانت محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا. وفي هذا السياق يؤكد ناصر (اسم مستعار)، ان "حزب الله جعل أهل السنة والجماعة بمواجهته يوم قرّر التوجه الى سوريا وقتل شعبها الذي رفض الظلم وأراد الحريّة، ومن هنا وجدنا أنفسنا في حالة حرب ضد الذين يريدون قهرنا". ويضيف: "شكّلت خطابات نصر الله استفزازا واضحا لنا، ففي كل خطاباته يذكّر باللون المذهبي لما يسمّيه المقاومة، اضافة الى تصرّفات بعض الاجهزة الامنية التابعة للدولة والتي تعامل كل سنّي على انه إرهابي، ولذلك كان لا بدّ من المقاومة، فقاومنا بالكلمة والموقف"، مؤكدا حاجة لبنان لزعيم سني قوي يحمي حقوق السنّة ولا شيء غير ذلك.

وتشير المصادر الى ان "الثورة السورية لعبت دورا اساسيا بتحويل جمهور تيار المستقبل من "وطنيّ" الى مذهبيّ، خصوصا وان مسؤولي التيار والإعلام القريب من الثورة السوريّة، أظهروا المشهد بصورة مذهبيّة بحتة، فالعلوي السوري والشيعي اللبناني والعراقي والايراني اجتمعوا لتدمير السنّة في سوريا واليمن والعراق"، لافتة الى ان هذا الامر شدّ العصب السني وتعالت المواقف المذهبيّة والتي تقابلها مواقف مشابهة أيضا من جمهور الفريق الآخر الداعم للرئيس السوري بشار الأسد". وتكشف المصادر أن أصواتًا بدأت تعلو في الشارع السني مطالبة بزعيم سنّي يشبه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، فالأخير أصبح الرمز القادر على مواجهة إيران والاسد وحزب الله، مشيرة الى ان "صورة الاخوان المسلمين بدأت تدخل قلوب الطائفة السنيّة، تماما كما دخلت صورة أحمد الاسير قلوب من هم حوله".

يؤكد محمد العاصي هذا الرأي، معتبرا ان الزعيم "السنّي" أصبح حاجة، وما كان يطبق ايام رفيق الحريري لم يعد ينفع، فالتقسيم مذهبي ولا يمكن التخلّي عن حقوق الطائفة لأجل الوطنية بينما يعمل الجميع لاجل طوائفهم لا الوطن. ويردف: "ان اردوغان هو الزعيم السني المعتدل الاول بالعالم الاسلامي ومناصر الثورات وخصوصا السوريّة منذ بدايتها". ان وقوف قسم كبير من تيار المستقبل الى جانب اردوغان كان لسببين، الاول وهو انتماؤه المذهبي، والثاني يكمن في تحالفاته السياسية وتحديدا عداوته مع الاسد. ولكن لماذا أيّد تيار المستقبل اردوغان ولم يؤيّد محمد مرسي يوم اطاحته من السلطة؟ تجيب رشا الخطيب على هذا السؤال، معتبرة ان الشعب المصري الذي نزل للشارع بالملايين هو من خلع محمد مرسي، بينما في تركيا لم يكن الامر سلميا وتبين ان الشعب الى جانب اردوغان وليس ضدّه. وتعتبر الخطيب ان شعبية سعد الحريري لم تنته بل اصبح يعرف اليوم من يحبه لأجل شخصه وموقعه السياسي ومن يحبه لأجل الأموال، داعية للابتعاد عن التطرف والتمسّك بنهج رفيق الحريري.

"منذ ان قال سعد الحريري ان التغيير قادم، اصبح الجميع في "مسابقة" لإظهار ولائهم لتيار المستقبل، وهذا ما أدى لأن يصل بعضهم "للتطرف"، وتحديدا في الحلقة الضيّقة المحسوبة على التيار سواء من جمهوره القريب او اعلامييه"، تقول المصادر. فهل ينجح سعد الحريري بإعادة وصل ما انقطع مع جمهوره والسير مجدّدا على طريق "وطني" أم ان التوجه المذهبي سيقضي على ما تبقى من إرث رفيق الحريري، وبالتالي سيصبح لبنان بحاجة الى "زعيم اخواني" يجمع "السنّة" تحت لوائه؟