منذ أنْ سقطت الموصل في يد "داعش" الإرهابي في صيف عام 2014، والجميع يتكلّم عن هذه المدينة التي تعني الكثير ليس فقط للعراق ودول الجوار، انما للعالم اجمع. واليوم، باتت الموصل مجدداً محط الانظار ومركز الاهتمام، بعد الاعلان عن الرغبة في تحريرها بعملية مشتركة عراقية-كردية بمشاركة تركية ودولية.

غني عن القول ان كل طرف من الاطراف المشاركة في المعركة لاستعادة الموصل يحمل معه اجندته الخاصة واهدافه الخاصة. فالجيش العراقي مثلا يرغب في استعادة ماء الوجه بعد الذل الذي تعرض له بسقوط المدينة في وقت قياسي ودون اي مقاومة تذكر في اضخم "فضيحة" عسكرية يمكن سردها، ويجب عليه بالتالي ان يعيد الهيبة الى نفسه والقوى العسكرية من خلال هذه العملية وفي الموصل نفسها.

اما الاكراد الممثلون في هذه الحرب عبر "​البشمركة​"، فنجحوا في انتزاع اعتراف رسمي وعلني واضح بشخصيتهم المستقلة على الصعيدين والسياسي والعسكري، وهو قد يشكل تمهيداً للاعتراف بدولتهم المستقلة بعد حين.

وفي ما خص باقي الاطراف من تركيا وغيرها من الدول، فإن لكل معاييره واهدافه، وهي لا شك تتلاقى مع الصورة الكبيرة التي ستسفر عنها التسوية الشاملة في المرحلة اللاحقة بعد انتهاء العمليات العسكرية في العراق وسوريا ايضاً. ويبقى المعني المباشر بالموضوع اي "داعش" الذي يتوقع ان يقاتل حتى الرمق الاخير لانها بالنسبة اليه معركة حياة او موت.

صحيح ان النتيجة العسكرية محسومة سلفاً باستعادة الموصل، انما تبقى الفترة الفاصلة بين بداية المعركة ونهايتها هي العبرة، لأنّها ستحمل الكثير من التطورات في هذه المدينة وخارجها. "داعش" سيحصن نفسه دون شك وهو بدأ تكتيك الحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوف المهاجمين للحد من الاندفاع الهجومي، وكسب اكبر قدر ممكن من الوقت، لذلك تراه يعتمد على الالغام والسيارات المفخخة لاحباط الحماس لدى الجنود العراقيين وقوات "البشمركة" والحشد الشعبي وحتى القوات التركية وغيرها...

وهناك استراتيجية أخرى لا تقلّ خطورة، قوامها الإنسحاب التكتيكي الى الرقّة في سوريا. والخطر الذي يلوح في هذه الخطة، هو تقاطع المصالح مع بعض الدول الغربية التي لا ترغب في ان يشكل اي حسم عسكري لقوات النظام السوري ومن يدعمه شرطاً جديداً في المفاوضات النهائية، وبالتالي قد تكون الرقة المخرج المناسب لداعش وعدد من الدول.

لكن الخوف الاكبر بدأ يتفشى لدى اجهزة الاستخبارات في العالم اجمع، حيث الاستنفار بلغ ذروته بسبب ما قد يقدم عليه "داعش" في الخارج من استهداف للدول بعمليات ارهابية يمكن ان تتدرج من البساطة (السلاح الابيض مثلاً) الى التعقيد (عمليات ارهابية متزامنة في اكثر من بلد وفي اكثر من منطقة...). هذا الامر يعتبر بمثابة "كابوس" لاجهزة الاستخبارات التي عليها ان تتعامل مع كل الاحتمالات وزيادة المراقبة والحذر بهدف احباط العمليات الارهابية قبل البدء بتنفيذها، لانها السبيل الوحيد للتخفيف من الخسائر البشرية.

لا شك ان التنسيق قائم بدرجة عالية بين مختلف اجهزة الاستخبارات في اميركا واوروبا والعالم، وان التحضير كان سابقاً للعملية العسكرية، الا ان الخلايا النائمة واعتماد البساطة في تنفيذ العمليات والركون الى اشخاص بعيدين عن الشبهات، كلها عوامل لا تساعد في الكشف عن العمليات ولا في التخفيف من التوتر والقلق. ومن المعلوم ان كل عملية ارهابية ناجحة، تزيد من معنويات "الداعشيين" وتعزز صمودهم في الموصل وبعدها الرقة، وتبعث على الاحباط في نفوس القوى الامنية في دول العالم.

وعليه، يبدو ان السيناريو الذي سيعتمده "داعش" هو بث الرعب والخوف في كل انحاء العالم قبل ان يلفظ رمقه الاخير، لان مثل هذه المنظمات الارهابية تعتمد بصورة رئيسية على "البروباغاندا" لتبقى في اذهان الناس حتى لو اضمحلت واختفت، ولكن اعادة احياء اسمها من قبل بعض الموتورين في المستقبل كفيل باستعادة ذكريات سيئة وخطيرة سينزعج منها الناس حتماً.

انها حرب البقاء بالنسبة الى "داعش"، ولكن الخوف يبقى حول القدرة على تنفيذ عمليات ارهابية في العالم لتستمر على قيد الحياة اطول فترة ممكنة.