لا يبدو ان مجموعة البروشورات والكتيبات التي يتسلمها النائب الجديد حال انتخابه كافية لتعليمه مبادئ العمل السياسي، خاصة أولئك الآتين من المهن الحرة وعالم الأعمال.

من أهم ما يجب على النائب الرابح على لائحة كتلة ما ان يتعلمه هو الفارق بين الكتلة والتكتل، فعندما تكون عضواً في كتلة ما، عليك الإلتزام بسياساتها العامة، فيحق لك النقاش والإدلاء برأيك ولكن قرار الكتلة ملزم لك. وفي اللحظة التي تقرر فيها رفض قرار ما، يمكنك ببساطة الإستقالة من الكتلة والبقاء كنائب مستقل. وعندها سيكون لزاما عليك في الإنتخابات المقبلة خوضها بمفردك.

أما التكتل فيضم عدة كتل ويمكن لأي واحدة منها رفض قرار معين، عندها تخرج من التكتل، كما حدث مع كتلة "المردة" ضمن تكتل "التغيير والإصلاح"، أو عندما يسمح لكتلة نواب الأرمن مثلاً التمايز عن التكتل في الإستشارات الحكومية.

أحبب حبيبك هوناً ما... علوش نموذجاً

تقول الحكمة الشهيرة " أحبب حبيبك هوناً ما، فقد يصبح عدوك يوماً ما. وأبغض عدوك هوناً ما، فقد يصبح حبيبك يوماً ما". وبما أن السياسة ليس فيها عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، على السياسي –خاصة المبتدئ- إتباع الحكمة السابقة بحذافيرها.

لو استعرضنا تصريحات القيادي في تيار المستقبل النائب السابق ​مصطفى علوش​ حول الإستحقاق الرئاسي سنجد أنه أخفق في بديهيات السياسة، ولإن كان مفهوماً هجومه الشرس والدائم على حزب الله وإيران. الا أن المستغرب أن يزج بنفسه في موقف محرج، كالذي تتعرض له المتنبئة ليلى عبد اللطيف حين يحدث عكس ما تتنبأ به. وهذه ابرزها:

20 آب 2016 : "انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون رئيساً انتحار" و" هناك رفض قاطع لترشيح عون للرئاسة"

29 ايلول 2016 "نزول العونيين الى الشارع لن يدفع رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ لتاييد عون للرئاسة"

01 تشرين الأوّل 2016 "الجو الاكثري بالمستقبل يعتبر ان انتخاب عون أسوا شيء قد يحصل"

04 تشرين الأوّل 2016 "80 بالمئة من نواب تيار المستقبل لا يحبذون ترشيح عون للرئاسة"

22 تشرين الأوّل 2016 "الأكثرية بـ"المستقبل" تفهمت المسوّغات التي أدت إلى مبادرة الحريري"

كذلك برزت اصوات عدة جاهرت بعدم التصويت لعون مثل رئيس ​كتلة المستقبل​ فؤاد السنيورة الذي احتج بإتهام عون له بالفساد، مع ان جميع اطراف 8 أذار اتهمته به اضافة الى اتهامه بالعمالة والتآمر وخرق الميثاق والدستور، والنائب ​محمد قباني​ الذي لم ينس لعون قصفه غرب بيروت سنة 1989 (والذي انكره عون بالمناسبة) رداً على قصف الجيش السوري لشرق بيروت، بينما ينسى بسهولة قصف الكتائب والقوات لبيروت على مدى سنين الحرب، ناهيك عن عشرات السيارات المفخخة التي ضربت شوارع بيروت.

لا مجال للديمقراطية داخل الكتل النيابية، فكل نائب، مهما قل شأنه، يكلف رئيس اللائحة ملايين الدولارات من المصاريف الإنتخابية، ما بين رشاوى انتخابية مباشرة، وشراء ذمم المفاتيح الانتخابية، والدفع لترشيحات ثانوية لإضعاف الخصوم، الخ.. لم يدفعها الزعيم ليعود فيتذلل للنائب المذكور حتى يقنعه بقراراته. عندما يلتقي الحريري زعماء من وزن رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعون، لن يكون مناسباً أن يجيبهما بأنه سيراجع كتلته لإقناعها، في حين لا يحتاج أي منهما الى مراجعة أحد، ولن يكون مستساغاً لديه أن يسأله زعيم ما "على كم نائب من كتلتك تمون؟"

قد يجوز لنائب يمتلك حيثيته الخاصة كالنائب ​محمد الصفدي​ مثلاً أو النائب ​خالد الضاهر​ الإستقلال بقراراته، أما النائب الذي لا يحصد بمفرده أكثر من أصوات معدودة على الأصابع يجب أن يتذكر دائما أنه إنتخب لمهمة محددة وهي الضرب بسيف السلطان الذي اصطحبه بالبوسطة.

على كل حال فيما لو انتهت الأمور الى انتخاب عون مع خروقات في تصويت كتلة المستقبل، سيكون على الحريري استخلاص العبر في الانتخابات المقبلة وأهمها: لا مكان للأقوياء ولا لأصحاب الرأي على اللائحة.