في وقت لم تشهد فيه تشكيلة رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ أيّ جديد على صعيد ولادتها، بقيت المراوحة سيّدة الموقف، مع تصاعد الاتّهامات السياسيّة المتبادلة بين الأفرقاء حول من يعرقل انطلاقة عهد الرئيس العماد ميشال عون ومن هو المستفيد؟!

في هذا السياق، قالت مصادر نيابية اقترعت للعماد عون في الانتخابات الرئاسية، ان التعثر في تشكيل الحكومة هو كثرة الطبّاخين، معربة عن تخوفها من ان يؤدي هذا الواقع الى افساد هذه الطبخة.

وأوردت المصادر عدة أمثلة لدعم أقوالها، محمّلة المسؤولية الى معظم القوى مستثنيةً عون والحريري.

ولفتت هذه المصادر الى ان موقف "القوات اللبنانية" لم يكن عاملا إيجابيا منذ البداية حيث عكست مواقفها وكأنها هي صاحبة الأمر والنهي في عملية التشكيل، وأحرجت اصدقاءها قبل خصومها اي تيار "المستقبل" والتيار "الوطني الحر".

وجاء هذا الاحراج بتأكيدها انها شريكة اساسيّة في وصول العماد عون الى قصر بعبدا، وبالتالي فإنّ هذا الامر يخوّلها رفع سقف مطالبها، مع علمها المسبق ان هذا الأسلوب لن يساعد ولن يسهّل انطلاقة العهد، خصوصًا وأنها تعي تماما ردّة فعل الّذين لم يقترعوا للعماد عون وفي طليعة هؤلاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية.

وأشارت المصادر الى ان بري لم يكن ينتظر مثل هذه الفرصة ليعوّض عن النكسة التي أصيب فيها بالانتخابات الرئاسية، إذ كان واضحا منذ البداية انه يسعى لتعويض خسارته رئاسيا بفرض شروطه حكوميا بالتنسيق مع "حزب الله" الذي فوّضه بالتفاوض نيابة عن الثنائي الشيعي، لكنّه وسع المهمّة وعقّدها فأصرّ على التفاوض أيضًا باسم فرنجية ورئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط وحتى الكتائب.

يُضاف الى هذه التعقيدات وبحسب المصادر، دور رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجيّة جبران باسيل الذي أدار اللعبة، مصوّرا عملية تشكيل الحكومة بأنّها جزء من المعركة الميثاقيّة التي تقول بأن على الطائفة المسيحية ان تختار وزراءها كما كانت تفعل الطوائف الاخرى في الماضي وتُمارس نفس الدور اليوم.

وتعتقد المصادر ان تسهيل عملية التشكيل يجب ان يأتي من المنتصر لا من المهزوم، خصوصًا وان هذا الأخير ينظر الى العهد نظرة اصطداميّة وليس تسوويّة، وانه لا يجب إعطاؤه الاسباب لتحقيق ما يصبو اليه.

وتؤكد المصادر ان ما تردّد بأن "حزب الله" الذي كان يراقب عن كثب مجريات عملية التشكيل تاركا لبرّي إيصال الرسالة، قام هو مؤخرا بإبلاغ كبار المعنيين بالتشكيلة الحكومية أنْ لا حكومة دون إعطاء فرنجية حقيبة وازنة.

ورأت المصادر ان كل ما قيل ويقال عن توجّه لدى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اعلان حكومة أمر واقع لم يعد ممكنا، حتى ولو أعطيت للشيعة كل الحقائب، لان تراجعهما عن إسناد حقيبة وازنة لفرنجية يساوي إصرار الحزب على أن مرشحهم الاول والأخير لرئاسة الجمهورية هو ميشال عون، ولم يقبلوا بأيّ تسوية لا تلبي طلبه، وحصل بالنتيجة على مبتغاه.

واستنتجت المصادر أن عون والحريري سيتعاملان مع هذا المستجدّ بجديّة وسيحاولان خلال الايام القليلة المقبلة إيجاد مخرجٍ يسهّل ولادة الحكومة العتيدة.

اما ما يتردد بأن وراء التشكيلة أسباب تتعلق بإجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستّين، فترى المصادر أنّ الوقت الفاصل بين تشكيل الحكومة واقرارها البيان الوزاري ونيلها الثقة لن يكون كافيًا، أولاً، لشرح قانون النسبيّة الانتخابي للمواطنين هذا اذا ما تم التوافق عليه، وثانيًا على تشكيل الهيئة الناخبة، وانّ الحل الوحيد الممكن هو اجراء الاستحقاق النيابي على أساس الستّين بعد ادخال تعديلات طفيفة عليه تتعلق بنقل بعض المقاعد من قضاء الى آخر، واللجوء ما اصْطُلِحَ على تسميته بالتمديد التقني ريثما تتم التعديلات على الستين، وان جميع القوى لا يمكن ان تسمح بالتمديد للمجلس الحالي، لكنها ستقبل بالانتخابات على أساس القانون القديم، على امل ان تتولّى حكومة العهد الاولى إقرار قانون جديد للانتخابات.

وتعوّل المصادر نفسها على الثقة المتبادلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله لحلّ معضلة التشكيل الحكومي، لأن هذه الحكومة من المفروض ألاّ تدوم اكثر من بضعة اشهر، وان الجانبين تعرضا في الماضي الى أزمات اكبر من مقعد حكومي من هنا ومقعد من هناك، وتمكّنا من تجاوزها، كما ان هناك حرصاً من "حزب الله" ان تكون انطلاقة العهد إيجابيّة، وان الرئيس عون لن يسمح للمتضرّرين من انتخابه ان يحققوا اهدافهم، واعتبار ان اي تصور عكس ذلك سيضع البلاد أمام أزمة حكوميّة تطول وتتعقد اكثر فاكثر، وسيصبح من الصعب حلّها، ويمكن ان تعيد لبنان الى الأزمات الطائفية والمذهبية البغيضة.