إنتهت إجتماعات وزراء خارجيّة كل من روسيا وإيران وتركيا إلى إعلان إستعداد الدول المذكورة لضمان إتفاق مُستقبلي بين النظام السوري ومعارضيه، وإلى تأكيد إلتزام الدول الثلاث بما صار يُعرف بإسم "إعلان موسكو"(1)لوقف الحرب السورية. فهل من فرصة حقيقيّة هذه المرّة لإنهاء هذا النزاع الدموي المُستمرّ منذ نحو ست سنوات؟.

لا شكّ أنّ موازين القوى خلال الإجتماعات الثلاثيّة المذكورة كانت مائلة بوضوح لصالح النظام السوري، إن على المُستوى الميداني بعد إسترجاع الجيش السوري بمُساعدة القوى الحليفة لمدينة حلب، أو على المُستوى السياسي في ظلّ وجود حليف إقليمي للنظام السوري بشخص وزير الخارجية الإيراني ​محمد جواد ظريف​ وحليف دَولي له بشخص وزير الخارجيّة الروسي ​سيرغي لافروف​، في مُقابل سعي وزير الخارجيّة التركي مولود جاوش أوغلو إلى حماية بلاده ومصالحها، أكثر منه إلى حماية "المُعارضة السوريّة"، خاصة بعد الضربة المُحرجة التي تلقّتها أنقره باغتيال السفير الروسي لديها أندريه كارلوف، وفي ظلّ الهجمات الإرهابيّة المُتواصلة التي تتعرّض لها تركيا. ولعلّ تصريح لافروف كان خير دليل على إنعدام التوازن في هذه الجولة التفاوضيّة، حيث رأى أنّ الأولويّة في سوريا هي لمُكافحة الإرهاب وليس لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وعلى الرغم من محاولة وزير الخارجيّة التركي تصنيف المجموعات المسلّحة التي تدعم النظام السوري، ومنها "حزب الله"، بالإرهابيّة، مُطالبًا بوقف الدعم عنها أيضًا، فإنّ وزيري خارجيّة كل من روسيا وإيران تدخلا بسرعة للتشديد على أنّ المجموعات الإرهابية في سوريا تتمثّل بتلك التي حدّدها مجلس الأمن الدَولي، وتحديدًا تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة". وعكس هذا التباين في المواقف المُعلنة، حجم الهوّة التي لا تزال تفصل بين المفاوضين الثلاثة، على الرغم من الكلام المتفائل.

وفي التقييم الأوّلي من قبل محلّلين غربيّين متابعين للوضع السوري، إنّ المكسب الوحيد والمهمّ الذي حقّقته تركيا خلال المفاوضات في روسيا، تمثّل في الإقرار بأن لا حلّ عسكريًا في سوريا، وهذا الأمر يعني عمليًا أنّ ما يتمنّاه النظام السوري من مُساعدة عسكريّة مفتوحة من قبل روسيا وإيران، لإستكمال إسترجاع كامل المناطق السوريّة، لن يتحقّق في المدى المنظور، حيث أنّ كلاً من روسيا وإيران مع حلّ سياسي في المرحلة الراهنة بالتحديد، لأنّ موازين القوى الميدانية تميل لصالح النظام السوري، ولأنّ الأجواء والتوازنات السياسيّة الإقليميّة والدَوليّة مؤاتية لفرض تسوية تصبّ في صالح النظام والقوى الداعمة له.

وتوقّع المحلّلون أنفسهم أن تُثمر الضغوط التي ستُمارسها روسيا، في مرحلة إنتقال السلطة في الولايات المتحدة الأميركيّة، عن إطلاق جولة جديدة من المُفاوضات يكون الهدف منها تشريع بقاء الرئيس السوري ونظامه وفق إتفاق مكتوب، مع منح جزء من المُعارضين مكاسب محدودة. وتابع هؤلاء أنّه وعلى الرغم من الإنكفاء الظرفي المحدود للحُضور الأميركي في ساحة الشرق الأوسط، ومن البلبلة والخلافات السائدة بين الجهات العربيّة والإسلاميّة الداعمة للجماعات المُعارضة المُسلّحة، فإنّ موعد إنتهاء الحرب السوريّة لم يحن بعد. ولم يستبعد هؤلاء أن تُوافق بعض الجماعات المعارضة السورية على العودة إلى طاولة المُفاوضات على الرغم من أنّ الظروف غير مؤاتيّة، وذلك بهدف كسب الوقت وإعادة تنظيم الصُفوف، في إنتظار فرص أفضل في المُستقبل لمعاودة الضغط على النظام السوري. وأكّد المُحلّلون الغربيّون أنّ الغياب الأميركي عن ساحة الشرق الأوسط لن يطول لأنّ التحوّلات الحاصلة في سوريا بدأت تُهدّد أمن ومصالح إسرائيل، أي الحليفة الإستراتيجيّة للولايات المتحدة الأميركيّة في المنطقة، خاصة لجهة توسّع النُفود العسكري والسياسي لإيران على رقعة جغرافية تمتد من طهران إلى بيروت مرورًا ببغداد ودمشق.

في الختام، لا شك أنّ إحتمالات مرور سوريا بفترة هدوء نسبي عالية، وإحتمالات عودة جولات التفاوض واردة تحت وطأة الضغوط الإقليميّة والدَولية، وبهدف فرض شروط المُنتصر من قبل النظام السوري وبهدف المراوغة وإلتقاط الأنفاس من قبل معارضيه. لكنّ هذا الأمر إن حصل لا يعني أنّ التسوية السوريّة صارت على الأبواب، باعتبار أنّ أسسها غير جاهزة بعد، إضافة إلى أنّ الدور التركي يُشكّل جزءًا من النزاع، لكنّه لا يختصر كامل أدوار القوى الداعمة للجماعات السوريّة المُعارضة والتي لم يعد لديها الكثير لتخسره، ما سيدفعها إلى المُضيّ قُدمًا في مواجهتها للنظام السوري وداعميه، ولو بعد فترة إستراحة زمنيّة محدودة.

(1) شدّد "إعلان موسكو" على أن لا حل عسكريًا في سوريا، ودعا إلى إطلاق مُفاوضات سياسيّة شاملة بين الحُكومة والمعارضة السوريّة بناء على قرارات الأمم المتحدة، بالتزامن مع تنفيذ وقف شامل للنار وتعزيز الجُهود الإنسانيّة.