في الأيام الماضية، توترت الأوضاع في لبنان على خلفية الخلاف حول قانون الإنتخاب الجديد، لا سيما في ظل إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي هدد بالذهاب إلى الفراغ، على إقرار قانون جديد تجري على أساسه الإنتخابات المقبلة، ورفض رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​، الذي يرفع لواء مقاطعة أي قانون لا يراعي الخصوصية الدرزية.

هذا التوتر لم يستمر طويلاً في الصالونات السياسية، بل إنتقل سريعاً إلى مواقع التواصل الإجتماعي، وسط تهديدات بالمقاطعة، في حين حدد "البيك" قانون الستين معدلاً كأقصى حدّ من الممكن الوصول إليه، فمن سينتصر في معركة "شد الحبال" هذه؟

زعامة الجبل

على هذا الصعيد، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ​طوني عيسى​، في حديث لـ"النشرة"، أن أحداً لا يريد أن يستثني النائب جنبلاط أو الطائفة الدرزية من المعادلة، لكنه يوضح أن الخلاف الحالي هو حول مفهوم المشاركة أو الحقوق، لا سيما أن رئيس "اللقاء الديمقراطي" يعتبر أن من حقه أن يكون لديه كتلة نيابية متنوعة طائفياً، مسيحياً بالدرجة الأولى وسنياً بالدرجة الثانية.

ويشير عيسى إلى أن الموضوع متعلق بالبيئة الديمغرافية والجغرافية في الجبل، أي هل من حقّ النائب جنبلاط أن يكون زعيم كتلة متنوعة أو زعيم طائفي فقط؟ ويرى أن رئيس الحكومة سعد الحريري لديه المشكلة نفسها، ويرى أنه "بالإضافة إلى ذلك فإنّ رئيس "اللقاء الديمقراطي" لديه مشكلة على مستوى النظام النسبي، لأنه لا يريد وجود تمثيل درزي آخر".

من جانبها، تعرب الكاتبة والمحللة السياسية ​سكارليت حداد​، في حديث لـ"النشرة"، عن تفهمها لواقع رئيس "اللقاء الديمقراطي" في الوقت الراهن، لا سيما بعد خسارته على المستوى الإقليمي، وتعتبر أن المعركة التي يخوضها على صعيد قانون الإنتخاب مصيرية بالنسبة له.

من وجهة نظر حداد، النائب جنبلاط يريد الحفاظ على سيطرة الجبل بكل مكوناته، أي أنه يريد أن يبقى الزعيم الأوحد، وترى أنه لا يمانع توزيع المقاعد على باقي الأفرقاء كما يريد، لكن ما يرفضه هو أن يأخذوا هم هذه المقاعد، في حين لديه هناك أزمة التمثيل الدرزي، خصوصاً أننا "لا نعرف حتى الآن حجم تمثيل باقي الأفرقاء الحقيقي".

التسوية المنتظرة

في ظل هذا الواقع، من الطبيعي البحث عن التسوية المنتظرة التي تحول دون إستمرار التوتر الحالي من جهة، وتضمن إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها وفق قانون جديد من جهة ثانية.

وعلى الرغم من أن عيسى يرى أن لبنان يبقى بلد العجائب والتسويات، والدليل ما حصل في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، يعتبر أن رئيس الجمهورية وضع الرهان على موضوع قانون الإنتخاب ولن يتراجع عنه، ويشير إلى أن عون، منذ ما قبل إنتخابه رئيساً، كانت أولوياته قانون الإنتخاب، وبالتالي هو سيتشدد في هذا المجال ولن يقبل بتعديلات بسيطة على قانون الستين، ويضيف: "بحال لم ينجز ميشال عون هذه المهمة لن يستطيع أحد غيره القيام بها".

بالنسبة إلى موقف النائب جنبلاط، يعتبر عيسى أن رئيس "اللقاء الديمقراطي" بحاجة إلى أن يبرم تسوية مع نفسه قبل الآخرين، وبالتالي الأمور ستذهب إلى إتفاق، يكون باقتناعه، حول المعادلة على مستوى الجبل، بحيث يحافظ هو على التمثيل الدرزي الكامل، لكن مع تخفيف الحجم على مستوى الجبل، لناحية تمثيله باقي المكونات.

بدورها، تؤكد حداد أن الأمور ذاهبة في نهاية المطاف إلى تسوية بين الجانبين، لا سيما أن ليس هناك من جهة على المستوى المحلي راغبة بأن يدخل البلد إلى المجهول، لكن اليوم الجميع يرفع من سقف مطالبه، وتعتبر أن النائب جنبلاط فتح باب المفاوضات من خلال الحديث عن قانون الستين معدلا، وتضيف: "يمكن أن نصل إلى قانون إنتخابي جديد مختلف كلياً تحت هذا العنوان".

وترى حداد أن رئيس "اللقاء الديمقراطي" يريد أن يحفظ ماء الوجه، لا سيما أن هناك رئيس جمهورية لا يستطيع التعامل معه بسهولة، خصوصاً أن ملف قانون الإنتخاب هو جزء من مشروعه الرئاسي الذي تحدث عنه في خطاب القسم، وتضيف: "هناك وسطاء يعملون على حلٍّ لا يؤدي إلى كسر أحد".

في المحصلة، السقف العالي على مستوى الخطاب السياسي جزء من أدوات المعركة القائمة على قانون الإنتخاب، لكن الأمور ذاهبة في النهائية إلى تسوية على الطريقة اللبنانية يكون فيها الجميع راض، لا بل يعتبر أنه هو المنتصر أيضاً.