بعد توقيع كل من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ووزير الداخليّة نهاد المشنوق على مرسوم دعوة ​الهيئات الناخبة​، بحجّة التقيّد بمواعيد الإستحقاقات الدُستوريّة، ورفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القيام بالمثل قبل التوصّل إلى قانون جديد للإنتخابات النيابيّة، يبدو الرئيس مُنسجمًا مع تصريحه بأنّه يُفضّل الفراغ على إجراء الإنتخابات وفق "قانون الستّين" المُعدّل في "الدوحة". لكن وبما أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي يرفض الوصول إلى نهاية ولاية المجلس النيابي المُمدّدة، من دون إنتخاب مجلس جديد أو على الأقلّ التوافق على تمديد تقني لفترة زمنيّة محدودة، تبدو الأمور مُرشّحة إلى مزيد من الضُغوط المُتبادلة بين مُختلف القوى السياسيّة الأساسيّة في البلاد، في إطار عمليّة "الكباش" القائمة حاليًا بين من يسعى لإجراء الإنتخابات وفق "القانون النافذ حاليًا" ومن يسعى إلى الوصول إلى قانون جديد يعتمد صيغة النسبيّة الكاملة في التصويت، مرورًا بمن يُحاول التوفيق بين صيغتي التصويت الأكثري والتصويت النسبي عبر "قانون مُختلط". فهل من حلّ لهذا المأزق، أم أنّ الأمور تتجه نحو "الحائط المسدود"؟

لا شكّ أنّه في حال الرغبة بإجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها ومن دون أيّ إرجاء، فإنّ الموعد النهائي الفعلي لتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وجعلها نافذة، هو 20 آذار المُقبل، باعتبار أنّ المجلس النيابي الحالي كان مدّد لنفسه حتى 20 حزيران 2017، الأمر الذي يُبقي فترة الثلاثة أشهر الفاصلة المطلوبة قانونًا. وبالتالي يُعوّل الكثيرون على الأسابيع القليلة المُقبلة، للتوصّل إلى قانون تسوية يُطبّق صيغتي التصويت الأكثري والنسبي في آن واحد، إمّا عبر قانون مُختلط يُتيح إنتخاب قسم من النواب بالتصويت الأكثري والقسم الآخر بالتصويت النسبي، وإمّا عبر قانون يعتمد مرحلتين من التصويت، منها النسبي ومنها الأكثري، قبل إعلان أسماء النوّاب الفائزين. لكنّ وعلى الرغم من وفرة الإقتراحات المَطروحة على طاولة البحث، فإنّ الخلافات لا تزال كبيرة، ووجهات النظر لا تزال مُتباعدة ليس على مُستوى التفاصيل والنسب وتقسيم الدوائر فحسب، وإنّما على مُستوى الطبيعة العامة للقانون المنشود!.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ كلاً من "تيّار المُستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" يتسلّح بتمثيله المذهبي الواسع، وبموقعه الميثاقي ضُمن التركيبة اللبنانيّة، للتشدّد في مواقفه، ولعدم المُوافقة على كل ما عُرض عليه من مشاريع قوانين تؤدّي في أغلبيّتها إلى فقدانه عددًا من نوّاب كتلتي "لبنان أولاً" و"جبهة النضال الوطني". كما يُراهن كل من "المُستقبل" و"الإشتراكي" على رئيس مجلس النوّاب، لرفض مسألة الفراغ على مُستوى السُلطة التشريعيّة، ليس لأنّها تؤثّر على الإستقرار الداخلي وتزيد الأمور السياسيّة تعقيدًا فحسب، بل لأنّها تحرم أيضًا الطائفة الشيعيّة من مُمثّل رسمي في السلطة لفترة زمنيّة غير معروفة، وتُفقد رئيس المجلس نبيه برّي دوره المحوري في الحياة السياسيّة اللبنانية-ولوّ بشكل ظرفي مُوقّت.

في المُقابل، يتسلّح "حزب الله" بوجود توافق واسع بين العديد من القوى السياسيّة لتغيير القانون الحالي، وللعمل على إدخال مبدأ التصويت النسبيّ إلى أيّ قانون جديد. وهو يُعوّل على إنضمام "التيار الوطني الحُرّ" في نهاية المطاف إلى هذا الخيار، بدلاً من الإستمرار في تبنّي "القوانين المُختلطة" التي يُحاول رئيس "التيّار" وزير الخارجية جبران باسيل تمريرها، من دون تحقيق أيّ نجاح يُذكر حتى تاريخه. ويعمل "الحزب" بعيدًا من الأضواء، على جذب أكبر عدد مُمكن من القوى والشخصيات السياسيّة إلى خيار "النسبيّة الكاملة"، تحضيرًا لتسويقها وإقرارها رسميًا عبر القنوات الدستوريّة المعروفة.

أمّا حزب "القوات اللبنانيّة" فهو يجهد من جهته لإقناع "تيار المُستقبل" بضرورة المُوافقة على "قانون مختلط" حديث، وبضرورة العمل على إقناع الحزب "الإشتراكي" بذلك أيضًا، حتى لا نُصبح أمام خيار من إثنين، أحلاهما مرّ: الخيار الأوّل يتمثّل بضغوط سياسيّة مُتصاعدة ستنتهي بمُحاولة فرض "قانون نسبي" بالأغلبيّة العددية في مجلس النواب من دون مراعاة للخصوصيّات المذهبية وللمعايير الميثاقية، بذريعة تجنّب الشلل الكامل على مُستوى السلطة التشريعيّة وبحجّة أنّ "القانون النسبي" عادل للجميع ويؤمّن التمثيل الصحيح لمختلف القوى والشخصيات. والخيار الثاني يتمثّل بالدُخول في مرحلة "شدّ حبال" داخلية جديدة، مليئة بالمشاكل وبالضغوط وبالتحركات الشعبيّة، الأمر الذي سيُعيدنا خطوات كبيرة إلى الوراء، وسيُهدّد الإستقرار القائم حاليًا.

في الختام، الأكيد أنّ رئيس الجمهورية لن يُوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ما لم يقترن بالتوافق على قانون جديد، وعندها لا مُشكلة في حصول "تمديد تقني" للمجلس الحالي تحضيرًا للإنتخابات الجديدة، والأكيد أنّ رئيس المجلس النيابي لن يقبل بحُصول فراغ على مُستوى السلطة التشريعية، وبين المَوقفين لا وجود لأيّ حلّ مكفول حتى الساعة، حيث تعوّل الأطراف السياسيّة المُتصارعة على عامل "ضغط الوقت"، على أمل أن تلين مواقف الخصوم! والمُشكلة سَتقع بدون أدنى شكّ، في حال بقي كل طرف مُتمسّكًا بتشدّده، وبرفض التقدّم إلى مُنتصف الطريق لملاقاة الطرف الآخر...