المواضيع الشائكة في لبنان هي كدواليب الحظ تماماً، تدور وتدور قبل ان تقف عند موضوع يستحوذ على الاهتمام لفترة معينة، ثم يدور الدولاب فجأة ليقف عند موضوع آخر يسرق الانظار والاهتمام من الاول. هذا ما يمكن قوله اليوم عن مسألة ​سلسلة الرتب والرواتب​ و​قانون الانتخاب​، لانه وبعد ان دقت السلسلة ابواب التنفيذ، تراجعت حظوظها ودخل موضوع قانون الانتخاب بقوة ليفرض نفسه على الساحة. السؤال حالياً بات كالتالي: هل يسبق حصان الانتخابات عربة السلسلة، ام يجب وضع حصان السلسلة قبل عربة الانتخابات؟

في كل دول العالم،لا يشكل هذا الموضوع معضلة، لسبب بسيط وهو ان المصلحة العامة هي التي تحكم في مثل هذه الاحوال، كما من المفترض ان يتمكن المسؤولون ان في مجلس الوزراء او في مجلس النواب، من التعاطي مع اكثر من مشكلة في آن، والا لما وجب ان يصلوا الى هذه المناصب. ولكن، لاننا في لبنان، فإن الحكومة ومجلس النواب بعد ان اخذا اجازات ممددة من المهام الرسمية والقانونية الملقاة عليهما، اصبح من المتعذر تعاطيهما مع اكثر من مشكلة.

الغريب في الامر ان كل الفئات والتيارات والاحزاب والقوى مجتمعة في خندق واحد يؤيد اقرار السلسلة والاتفاق على قانون جديد للانتخابات انما عند التنفيذ، يدفع المواطن الثمن كالعادة فيما يصوّر المسؤولون انفسهم على انهم ضحية. امام هذا الواقع المبكي، لا يمكن سوى اعتماد القراءة الموضوعية، والتي تفيد بأنه طالما بقي المواطنون، وللاسف، لا يتحركون سوى باشارة من الحزب او التيار او الزعيم الذي ينتمون اليه، فالحل الوحيد المطروح هو ان تقاسم الحصص سيعود مجدداً انما باسم مغاير. لا ينتظرنّ احد ان يعود قانون "الستين" مجددا،ً فمن سيعود هو القانون المجدّد أي إسم جديد مظهر جديد وبعض التعديلات الطفيفة ويبقى الهيكل نفسه. بمعنى آخر، لن يصل الى المواطن قانون يلبي طموحاته، ويوصل من يريده هو، بل من يريده الزعيم المسؤول فقط. وبالتالي لا نفع لكل التظاهرات والاعتصامات والاعتراضات لانها اولاً ليست شعبية اي انها لا تعكس ارادة شعب بكامله (الغالبية الكبرى من اللبنانيين تسلّم امرها للمسؤولين)، وثانياً تكون سهلة الاختراق عند تحولها الى جدية او الى تهديد لاي من الزعماء. ومع غياب ثقة شريحة من اللبنانيين بالمسؤولين، بات من الصعب حتى تحديد قيمة الضرائب التي ستفرض ووفق اي معيار، وهو ما يساهم في مزيد من البلبلة، ومن افساح المجال امام كل شخص الادلاء بما يريد فيصدقونه الناس، والا ما معنى التناقض الهائل بين نائب وآخر ووزير وآخر حول الضرائب المرتقبة والشريحة من الناس التي ستطالها.

كذلك الامر بالنسبة الى قانون الانتخاب، حيث يجد من يتابع تصريحات المسؤولين ان اقرار اي قانون مطروح حالياً سيعني ابادة طائفة او مذهب بأكمله، فيما الواقع ان بعض القوانين قد تخفف من نفوذ بعض الزعماء والمسؤولين في مناطق معيّنة، فقط لا غير.

والسؤال الابرز الذي يدور في خاطر كل مواطن مستقل هو: لماذا استغرق النواب والوزراء كل هذا الوقت ليبدأوا رحلة البحث عن مصادر لتمويل السلسلة وانتقاء القانون الانتخابي الذي "يبيّض صفحتهم" امام الناس؟ وهل فعلاً يحتاج كل من هذين الموضوعين الى سنوات لانجازه، او الى تحويلهما الى مسائل مصيرية تتعلق بالبقاء وبمستقبل مذهب او طائفة، امعاناً في المزيد من الاحتقان وشد عصب الشباب المتشوق لاثبات نفسه بكل الطرق الممكنة.

كبرت كرة الثلج وحان وقت تذويبها، وستفيض مياه السلسلة وقانون الانتخابات على المواطنين فتجرفهم تحت انظار المسؤولين الذين سيتمتعون حتماً بالمشهد، مع الاعتراف بقدرتهم على استنباط المشاكل في الاوقات المناسبة من اجل راحتهم وبقائهم. فهنيئاً لهم.