منذ الإعلان عن تشكيلها، على هامش الجولة الأولى من محادثات الآستانة، طرحت العديد من علامات الإستفهام حول الدور المطلوب من هيئة "تحرير الشام"، التي تعتبر جبهة "فتح الشام" أو جبهة "النصرة" سابقاً الجناح الرئيسي فيها، لا سيما أنها جاءت إعتراضاً على قرار بعض الفصائل المسلحة، التي تدور في فلك الحكومة التركية، المشاركة في حوار مباشر مع وفد من الحكومة السورية، برعاية من أنقرة وموسكو وطهران.

في تلك الفترة، ظن الكثيرون أن مسار المفاوضات في آستانة، التي كان الهدف الرئيسي منها الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، قد يساهم بالإنتقال إلى مرحلة البحث عن حل سياسي للأزمة، لا سيما بعد التقارب اللافت بين الجانبين الروسي والتركي، في حين كانت ​الولايات المتحدة​ في مرحلة التحضير لتسلم الرئيس الجديد دونالد ترامب السلطة رسمياً.

منذ اليوم الأول، حددت "تحرير الشام" رؤيتها الإستراتيجية بالإستمرار في المعارك العسكرية حتى النهائية، بغض النظر عما يجري مع باقي فصائل المعارضة من مفاوضات، وسعت إلى القضاء على بعض الجهات المشاركة في تلك المفاوضات، بعد أن تيقنت أن المطلوب توحيد الجهود في الحرب على الإرهاب، التي تشمل إلى جانب تنظيم "داعش" الهيئة بسبب علاقاتها مع تنظيم "القاعدة"، الأمر الذي تم التأكيد عليه من جانب مبعوث الولايات المتحدة الخاص لسوريا مايكل راتني، من خلال الإشارة إلى أن التصنيف منظمة إرهابية ساري المفعول بغض النظر عن التسمية التي تعمل تحتها.

في هذا السياق، تربط مصادر مطلعة، في حديث لـ"النشرة"، بين العمليات العسكرية التي تقوم بها الهيئة، في الوقت الراهن، في دمشق وحماة وقبل ذلك في درعا، وتعثر المسار التفاوضي في الأستانة، وتشير إلى أن "تحرير الشام" كانت قد حددت موقفها مسبقاً برفض أي تفاوض مع الحكومة السورية، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لا سيما في ظل تصنيفها منظمة إرهابية ما يعني عدم إمكانية مشاركتها في أي عملية سياسية مستقبلية، وتعتبر أنها نجحت في جر بعض الفصائل إلى هذا المسار، من خلال مشاركتها معها في العمليات العسكرية الأخيرة.

من وجهة نظر هذه المصادر، ما حصل لا ينفصل عن رغبة بعض اللاعبيين الإقليميين والدوليين بالسعي إلى عرقلة المسار السياسي أيضاً نظراً إلى أنه لا يلبي طموحاتها، وتشير إلى أن تغيب الوفد المعارض عن مؤتمر آستانة الأخير ما كان ليتم من دون موافقة أنقرة، وبالتالي ترى أن هناك رغبة في تحريك بعض الجبهات التي كانت هادئة في ظل عملية خلط الأوراق القائمة في الشمال السوري، حيث تتداخل مصالح ونفوذ مختلف الجهات الفاعلة على الساحة السورية.

وفي حين لا تزال الهيئة تُصر على رفض ربطها بأي تنظيم سابق، بالإضافة إلى تأكيدها بأن لا علاقة لها بـ"القاعدة"، تشير المصادر نفسها إلى حرصها على التأكيد عدم علاقاتها بالتفجيرات الإرهابية التي حصلت مؤخراً في العاصمة السورية، حيث أوضحت أن أهدافها منحصرة بالفروع الأمنية والثكنات العسكرية الخاصة ب​الجيش السوري​ وحلفائها، وتلفت إلى أن العملية العسكرية الأولى التي قامت بها كانت معركة "الموت ولا المذلة" في درعا البلد ضمن غرفة عمليات البنيان المرصوص في 12 شباط الماضي، ومن ثم إستهداف فرعي أمن الدولة والأمن العسكري قي حمص في 15 شباط الماضي، قبل أن تعلن في 12 آذار الجاري عن تبنيها الهجوم الإرهابي المزدوج قرب مقبرة باب الصغير جنوبي دمشق، وصولاً إلى الإعلان في 19 آذار الحالي عن بدء معركة "يا عباد الله اثبتوا" في حي جوبر، ومن ثم معركة "وقل اعملوا" في ريف حماة الشمالي.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا التحول يعني أن هناك من يريد الضغط على الحكومة السورية وحلفائها عبر تحريك بعض الجبهات التي كانت هادئة سابقاً، لإبعادها عن أخرى يجري التنافس حول وراثتها من عناصر "داعش"، وتوضح أن هناك شبه إجماعاً على أن المعارك الأساسية باتت في الشمال والشرق السوري، أما الجبهات الأخرى التي يتم إشعالها فهي تأتي في سياق عمليات الإشغال وتشتيت القوى العسكرية.

في المحصلة، تكشف العمليات العسكرية الأخيرة، التي أطلقتها "تحرير الشام"، أن هناك جهات لا تزال تراهن على الخيار العسكري، وهذه الجهات ليست الهيئة وحدها طبعاً لا سيما بعد التضامن معها من قبل فصائل أخرى.