أكد الكاتب والمحلل السياسي المحامي ​جوزيف أبو فاضل​ أنّ الولايات المتحدة الأميركية استبعدت أنقرة نهائياً عن عملية الرقة وعن العمليات المقبلة في الشمال السوري على ما يبدو، مشيراً إلى أنّ الإنزال الأخير الذي حصل وتصاريح وزير الدفاع الفرنسي عن أنّ الرقة مطوّقة وستبدأ العملية، وتحركات قوات الأكراد المدعومة من الأميركيين، تدلّ على أنّ عملية الاستغناء عن أنقرة وعن سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد بدأت فعلياً.

وفي حديث إلى تلفزيون "​روسيا​ اليوم" ضمن برنامج "اسأل أكثر" أداره الإعلامي محمد بن علي، أوضح أبو فاضل أنّ نزول الأميركيين بالخمسمئة جندي وقبلها بالمئتي جندي وقبلها بالأربعمئة جندي له دلالة، شارحاً أنّ هذه قوات استشارية ولكنّها قوات رمزيّة تجبر الأتراك على أن يبتعدوا عن هذه المعركة، كما أنّ الهدف الرئيسي هو أن يبتعدوا أيضاً عن الأكراد الذين هم ضدّ أنقرة وضدّ تركيا.

تركيا لا تجرؤ على الاستسلام

وتحدّث أبو فاضل في هذا السياق عن مشكلة لتركيا في الشمال السوري، ولكن أيضاً أصبح هناك مشكلة كبيرة بالنسبة لها في الشرق السوري من الرقة ودير الزور والحسكة وغيرها من المناطق التي يوجد فيها أميركيون وروسي.

ولفت أبو فاضل إلى أنّ تركيا تعمل للحلف الأطلسي وهي من ضمنه، معرباً عن اعتقاده بأنّها إذا خرجت من هذا الحلف، فإنّ الجيش التركي سيقيم فوراً انقلاباً ويُسقِط الرئيس أردوغان من مكانه، ولذلك فإنّ تركيا لا تجرؤ على الاستسلام لما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، إن كان في سوريا أو في العراق أو في تركيا تحديداً.

الهدف تقسيم سوريا

ورداً على سؤال، رأى أبو فاضل أنّ هناك هدفاً رئيسياً نتيجة دعم التكفيريين والإرهابيين وإدخالهم من تركيا إلى سوريا ومن باقي المناطق، ألا وهو تقسيم سوريا، موضحاً أنّ المناطق التي نتكلم عنها اليوم، في إشارة إلى بعض مناطق دير الزور والرقة وبعض مناطق الحسكة، لن تعود للدولة السورية كما يراها الناس، بل هي مناطق أصبحت مناطق نفوذ للأميركيين والروس.

وإلى جانب ذلك، تحدّث أبو فاضل عن خلق كانتون كردي بموافقة أميركية، سواء رضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أم لم يرضَ، مشيراً إلى أنّ الأخير هو في الفلك الأميركي وليس في الفلك الروسي كما يظنّ البعض، وهو عندما يذهب إلى روسيا يدغدغ أميركا وخواطر أميركا، وعندما يذهب إلى أميركا يحاول أن يدغدغ روسيا، لكن روسيا تعلم تمام المعرفة أنّ أردوغان وجيشه وقاعدة أنجرليك وهذه المناطق كلّها أميركية بالكامل.

روسيا لن تستغني عن الأسد

ورداً على سؤال، لفت أبو فاضل إلى أنّ أميركا تستخدم الأكراد كما تريد كلّ الدول أن تستخدمهم في هذه المعركة، لكن عندما تنتهي منهم تضعهم في كانتون صغير، مشدّداً على أنّ الهدف الرئيسي من هذه العملية ليس إيجاد كانتون أساسي لهم في المنطقة، ولكن إيجاد كانتون يزعج إيران ويزعج سوريا، وهو ضدّ تركيا. وأوضح أنّ أحداً لم يمشِ مع أميركا وبقي كما هو، بل دائمًا يُضرَب ودائمًا يُغدَر به ودائمًا يُترَك، لافتاً إلى أنّ الأميركيين يفتشون عن مصالحهم دائمًا، وهم ليسوا كروسيا.

ورفض أبو فاضل مقولة أنّ روسيا سوف تستغني عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مشيراً إلى أنّ روسيا هي الأساس في دعم الرئيس بشار الأسد وفي دعم هذا النظام وفي دعم كلّ هذه المجموعة، لافتاً إلى أنّ كلّ الدساتير التي طُرحت وكلّ اقتراحات الدساتير التي طُرحت من قبل روسيا تشدّد على علمانية الدولة السورية، وهو ما يناسب جداً الرئيس الأسد.

أميركا لا تريد تواجداً تركياً

وفي سياق متصل، لفت أبو فاضل إلى أنّ استغناء الولايات المتحدة الأميركية عن تركيا في عملية الرقة يدلّ على أنّها لا تريد تواجداً تركياً في هذه المنطقة، وبالتالي أميركا سوف تضع حدوداً وخطوطاً حمراء، فهي ليست بحاجة لمئة ألف جندي لتضعهم في الرقة، مشيراً إلى أنّ أبناء الرقة الذين سينضمّون إلى أميركا والأكراد الموجودين برعاية أميركا ودعمها يمكن أن يديروا منطقة شاسعة وواسعة دون أن يقترب الجيش السوري عبر تفاهمات.

وفيما أكد أنّ الموقف السياسي السوري معروف، أوضح أنّ الإنزال الأميركي قطع الطريق على الجيش السوري للتدخل بحرب الرقة وقطع الطريق على تركيا للتدخل في الحرب التي ستحصل على الرقة، ولفت إلى أنّ أميركا توصل بذلك رسالة بأنّها بغنى عن تركيا، شارحاً أنّ أميركا وروسيا دولتان عظميان لا تنظران إلى تركيا وسوريا والعراق وإيران على أنّها دول مثلهما.

القرار بيد أميركا وروسيا

وخالف أبو فاضل مقولة أنّ هذه الدول يمكن أن تستغني عن تركيا، مشيراً إلى أنّ أميركا يمكن أن تحرّك العلويين والأكراد في تركيا، وقال: "هذه دول عظمى يمكن أن تستغني عن تركيا وتقيم قاعدة أنجرليك في الرقة ومناطق ذي نفوذ سني تابع مباشرة ربما إلى الخليج العربي وإلى أميركا، وهذه سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة".

ورداً على سؤال، أكّد ابو فاضل أنّ هناك توجّهاً ضمن المناطق الآمنة إلى كانتونات، لكن عندما يأتي الأكراد بحماية أميركية وأطلسية، وبتهليلٍ غربي، دون أن يسألوا عن تركيا أو عن إيران أو عن أيّ دولة، فهذا له دلالته، وقال: "نحن نعرف أنّ أوروبا قارة عجوز، والذي يقرّر هي أميركا بدايةً ومن ثمّ روسيا، وهذا التدخل الواضح والمفضوح بالسيادة السورية هو لتقسيم سوريا ولأخذ الرقة كمنطقة آمنة، ربما تكون سنية بالكامل، ولكن يوجد فيها أكراد، ولأميركا الرعاية الكاملة عليها".

الحقّ للأقوى وللأفضل

وأعرب أبو فاضل عن اعتقاده بأنّ أكبر قاعدة عسكرية سوف تكون لمنطقة الطبقة في الرقة، وقال: "هذه الطبقة أميركية أطلسية بامتياز"، وأضاف: "لا يمكن أن نقول أنّ القوات السورية سوف تقاتل القوات الأميركية، لأننا إن فعلنا نكون كمن يكذب على نفسه، فهناك دول عظمى هي التي تتحكّم بمصير المنطقة، ومصير الرقة ومصير سوريا ولبنان والعراق وكلّ هذه الدول، وهي أميركا وروسيا".

ورداً على سؤال، رأى أبو فاضل أنّ الذي لا يستطيع أن يقول كلا لتركيا ولا يستطيع أن يقول كلا لإيران لن يستطيع أن يقول كلا لأميركا ولروسيا ولدول الأطلسي، مشدّداً على أنّ هذا هو الأمر لا أكثر ولا أقل، فالحقّ للأقوى والحقّ للأفضل، ولفت إلى أنّ الديمقراطية في بلادنا هشّة، مشيراً إلى أننا لا نستطيع أن نصوّر الديمقراطية في المنطقة وكأننا نعيش في سويسرا.

حرب الرقة على داعش مؤجلة

وفي سياق آخر، أكد أبو فاضل أنّ عملية إسقاط الرقة ومقاتلة الدواعش الموجودين هناك لن يُكلَّف بها الأتراك بالتأكيد، معتبراً ذلك أمراً طبيعياً، لأنّ تركيا وتركيا أردوغان بالذات هي التي مرّرت كلّ هذا السلاح وكلّ قاذورات العالم دخلت من تركيا ومن موانئ تركيا للأسف ومن مرافق تركيا الحيوية، وهذا أمر معروف.

ولفت أبو فاضل إلى أنّ حرب الرقة على داعش لن تبدأ الآن، مشيراً إلى أنّ الأميركيين سيحشدون لها، ولكنّهم سيتحركون عندما تكون مصلحتهم في هذا الاتجاه، و قال: "هناك مناطق آمنة بنظر الأميركيين والأمم المتحدة ومجلس الأمن سوف نصل إليها للأسف، لكن هذه المناطق لن يُعترَف بها من قبل الجمهورية العربية السورية".