بعد نحو ثلاثة اشهر على عودته الى السراي الكبير، أطلّ رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بـ"نيو لوك" سياسية اثارت اهتمام العديد من المتابعين للاوضاع اللبنانية. صحيح ان ما قاله الحريري لم يكن مفاجئاً، او جديداً بالنسبة الى المواقف التي يطلقها عادة بين الحين والآخر، ولكن طبيعة هذه المواقف والمكان الذي اعلنت منه كان جديراً بالاهتمام.

اختار رئيس الحكومة المنبر المصري للاعلان عن سلسلة مواقف داخلية واقليمية، كان لها الوقع المؤثر على مؤيّديه في لبنان، فأكد على صلابة شبكة الامان الداخلية اللبنانية التي انشئت، كما شدّد على متانة العلاقة مع السعوديّة وانه سيزور الرياض قريباً تأكيداً لهذا الامر. عملياً، أتى كلام الحريري ليوضح الكثير من الأمور العالقة على الساحة الداخلية، ولكن الاهم أنّه جاء ليعيد الاعتبار الى رئيس الحكومة نفسه. فقد تركت المواجهة الصغيرة التي حصلت مع المتظاهرين والمعتصمين في وسط بيروت وما تخللها، تشكيكًا مهمًّا في الدور الذي آل اليه وقع رئاسة الحكومة في ظل "الغياب" شبه التام عن الاحداث والقرارات المهمّة التي تتخذ، إن على صعيد قانون الانتخاب او السلسلة او غيرها... وفي ظل تنامي الكلام عن عودة او عدم عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، كان كلام الحريري بمثابة تلميح الى ان شبكة الاتفاقات التي اقامها والتحالفات التي نسجها، إضافة الى التوافق الذي يصاغ حول قانون الانتخابات، كلها عوامل لن تتغيّر مع مرور الوقت، وكلها تصبّ في خانة عودتِه الى السراي الكبير الذي بدأ يعتاد عليه مجدداً. وما قوله بأن لبنان سيكون له كلمة واحدة فقط في القمّة العربية، سوى تشديد على ان الاختلاف في وجهة النظر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ما خص حزب الله، لن يفسد في الودّ قضية ولن يؤدي الى خلاف كما حصل في العام 2006 بين الرئيس السابق إميل لحود ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة حين كان حزب الله ايضاً في صلب التوتّر الذي شهد عليه القادة العرب في الخرطوم، وتصاعد الى سجال علني انتهى بتأييد القمة العربية لمواقف لحود. ويعلم الحريري جيّداً ان أي توتر في العلاقة مع عون سيعيد الامور الى نقطة الصفر، حيث سينقسم الافرقاء مجدداً، مع ميزة اضافية لصالح معارضي الحريري، الذين سيستعملون ورقة للترويج بأن كل ما قام به وقدّمه من تنازلات شخصيّة وللطائفة السنّية بشكل عام، لم تشفع به، حيث تخلى عنه الجميع عند اول احتكاك معهم، وسيجد رئيس تيار المستقبل نفسه ضعيفاً على الصعيد السنّي وعلى صعيد تياره، والاهم على صعيد الانتخابات.

اما استعمال الورقة السعوديّة حيث طمأن الى انه سيزورها قريباً، فليست بعيدة عن هذا التوجه العام، والتأكيد انه يحظى بالغطاء السعودي، يعطيه دفعاً أقوى على الصعيد السياسي، ويجعل من كلام معارضيه عن انهم يحظون بدعم الرياض لتحجيمه، محطّ شك وتقليل من أهميّة هذا الكلام. وقد يرغب السعوديون في "تسليف" موقف إيجابي من لبنان للحريريّ شخصياً، بعد ما نُشر عن قلقهم من موقف عون عن حزب الله، وتردّدهم في تنفيذ ما اتفقوا عليه خلال القمة اللبنانية-السعودية التي عقدت في الرياض بداية العام الحالي، فيأتي الموقف السعودي الإيجابي عبر منفذ سنّي محض اولاً، وعبر شخص يعلمون تماماً انه متعلق بهم حتى النهاية ولن ينقلب عليهم مهما كان الامر.

مواقف رنّانة اطلقها الحريري جعلته يطل بـ"نيو لوك" كان له الوقع الايجابي جداً على محبيه ومؤيديه، واظهر أنّه لا يزال موجوداً على الساحة، وان رهانه بالعودة الى رئاسة الحكومة كان في محلّه لانه بدأ بالفعل يحصد ثماره عربياً واقليمياً و... لبنانياً.

الصورة لدالاتي ونهرا