مع إستمرار صمود إتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، الذي تم الإتفاق عليه بين الرئيسين الروسي ​فلاديمير بوتين​ والأميركي ​دونالد ترامب​، وجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى تصعيد دورها العسكري في الميدان السوري، بعد أن كانت التحركات الدبلوماسية، التي قامت بها في الأشهر الأخيرة باتجاه واشنطن وموسكو، قد فشلت في تحقيق أهدافها.

ضمن هذا السياق، تأتي التسهيلات التي قدمتها تل أبيب لفصائل من ​المعارضة السورية​، تقودها جبهة "النصرة"، لإطلاق معركة عسكرية باتجاه بلدة حضر ذات الأغلبية الدرزية، نظراً إلى أن الجانب الإسرائيلي يسعى إلى إبعاد أي حضور للجيش السوري أو القوى المتحالفة معه عن ​الجولان​ السوري المحتل، ويرى أن هذا الهدف من الممكن تحقيقه عبر منطقة آمنة أو فاصلة، تقام من خلال فصائل المعارضة المتعاونة معه، حتى ولو كانت تلك الفصائل تدور في فلك تنظيم "القاعدة" وتصنف منظمات إرهابية.

فجر اليوم، أعلنت "غرفة عمليات جيش محمد"، العاملة في محافظة ​القنيطرة​، إطلاق معركة "كسر القيود عن الحرمون" ضد قوات ​الجيش السوري​ وحلفائه، بهدف "التخفيف عن الأهالي في غوطة دمشق الغربية" ورداً على "الحملة التي يقوم بها الجيش على مزارع بلدة بيت جن والقرى المحيطة بها"، و"تأكيداً على مواصلة العمل لفك الحصار والإفراج عن المعتقلين"، لينضم إليها في ما بعد ما يُعرف باسم "اتحاد قوات ​جبل الشيخ​".

هذه المعركة تفترض الذهاب نحو السيطرة على بلدة حضر ذات الأغلبية الدرزية، بحسب ما تشير مصادر سورية معارضة لـ"النشرة"، والهجوم كان قد بدأ على هذه البلدة من الجهتين الشمالية والغربية، في حين كان الجيش السوري يسعى إلى إستعادة السيطرة على مزرعة بيت جن، لكن اللافت في الأمر هو المعلومات عن التعاون الإسرائيلي مع الجماعات المسلحة في هذا الهجوم، عبر تسهيل دخول عناصرها من مدرجات جبل الشيخ، بهدف السيطرة على النقاط والتلال الحاكمة، الأمر الذي دفع رئيس "​اللقاء الديمقراطي​" النائب ​وليد جنبلاط​، المعروف بموقفه المعارض للنظام السوري إلى وصف ما تقوم به تل أبيب بـ"اللعبة الخبيثة"، وهو ما تُصر المصادر المعارضة على نفيه.

وفي حين لم يتأخر ​الجيش الإسرائيلي​، على لسان الناطق الرسمي باسمه ​أفيخاي أدرعي​، بنفي أي مسؤولية له عن هذا الهجوم، رافعاً لواء حماية الدروز في الجولان السوري المحتل، لا سيما بعد الدعوات التي وجهت إلى الدروز فيه، والذين خرجوا بمظاهرات دفعت بالجيش الإسرائيلي إلى إستنفار قواته، لاقتحام الشريط الشائك وتقديم المساعدة إلى أهالي حضر، توضح مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، أن الدور الإسرائيلي على هذه الجبهة ليس بالجديد على الإطلاق، بل ان تل أبيب تسعى منذ أشهر طويلة إلى التعاون مع الجماعات المعارضة المسلحة لبناء منطقة آمنة، تكون شبيهة بتلك التي كانت قائمة في الجنوب اللبناني عبر "جيش لحد"، وتذكر بعمليات نقل جرحى المسلحين إلى الداخل الإسرائيلي على مدى سنوات الحرب، بالإضافة إلى تقديم المعلومات العسكرية لها في كل المعارك التي خاضتها في هذه المنطقة، وصولاً إلى تدخلها المباشر في أكثر من مرة من خلال إستهداف مراكز للجيش.

وتوضح هذه المصادر أن الجانب الإسرائيلي يريد السيطرة على حضر، من خلال فصائل المعارضة، بهدف تأمين كامل الخط الحدودي مع الجولان السوري المحتل، الأمر الذي يفتح له أيضاً الباب نحو توسيع نطاق نفوذه نحو محافظة القنطيرة السورية، وتكشف أن تل أبيب في السابق سعت للقيام بهذا الأمر بطرق "دبلوماسية"، عبر إرسال رسائل إلى أهالي حضر تطالبهم بفك إرتباطهم مع الدولة السوريّة مقابل تأمين الحماية لهم، الأمر الذي حاول الناطق باسم الجيش الإسرائيلي العزف على وتره بنفيه دور بلاده في الهجوم الأخير.

من وجهة نظر هذه المصادر، تريد تل أبيب الإستفادة من هذا الهجوم، في حال لم ينجح في تأمين سيطرة المجموعات المسلحة على حضر، لدفع أهلها إلى طلب الحماية منها، بالرغم من فشل كل المحاولات السابقة، وتشير إلى أن الجيش السوري سيسعى بكل قوّته لمنع تحقيق هذه الغاية، وهو ما يترجم على أرض الواقع من خلال السعي للتخفيف من حدّة الهجوم على حضر عبر إستخدام السلاح الجوي في إستهداف مراكز تجمع المجموعات المسلحة.

في المحصلة، يبدو أن إسرائيل لم تعد تراهن على التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها لتأمين مصالحها في الجنوب السوري، وبالتالي هي في طور الذهاب إلى خطوات عملية عبر المجموعات المسلحة المتعاونة معها، لتأمين تلك المصالح قبل الوصول إلى مرحلة البحث عن حل سياسي للأزمة القائمة منذ العام 2011.