نقلت صحيفة "الراي" الكويتية عن مصادر فلسطينية رفيعة المستوى نفيها ان يكون انهيار العلاقة بين حركة "حماس" والسلطة السورية قد بني على مفارقة "لان الازمة السورية وان بدأت داخلية الا انها تحولت سريعا اقليمية ودولية"، وروت المصادر ما اعتبرته القصة الحقيقية لتحول العلاقة بين الطرفين من التأزيم الى القطيعة.

وبدأت المصادر باحداث درعا قبل اكثر من عامين "بل قبل احداث درعا ومع بدايات الربيع العربي تحدث مسؤولو حركة حماس مع عدد كبير من المسؤولين السياسيين والامنيين السوريين وعلى رأسهم الرئيس بشار الاسد عن صعوبة بقاء سوريا بمعزل عما يجري وعن ضرورة استباق الامور بالقيام باصلاحات جدية او على الاقل البدء بهذه الاصلاحات" وجزمت المصادر بان الاسد "كان مقتنعا تماما بكل كلمة قالها مسؤولو الحركة خصوصا لجهة الاصلاح لكن شيئا لم يحصل".

وقالت المصادر ان مسؤولين في الحركة بينهم رئيس المكتب السياسي ​خالد مشعل​ التقوا الرئيس الاسد "وطلبوا منه استبعاد الحل الامني على قاعدة الحوار السابق الذي بدأ حول الربيع العربي وكان الاسد موافقا عليه، بل ذهب هؤلاء الى القول انه حتى لو كانت اطراف اقليمية ودولية تريد تضخيم الموضوع فنحن مصلحتنا في التخفيف منه واحتواء الازمة سياسيا"، وضربوا له مثلا عندما حصلت احداث معان وكيف تعاطى معها الملك الاردني الراحل حسين، حين ارسل اخاه الامير حسن فلم تهدأ الامور فذهب شخصيا الى هناك وتكلم مع الناس وارضاهم.

تابعت المصادر: "لكن ما حصل كان عكس ذلك، تم اقتحام المسجد العمري الكبير في درعا ما ادى الى سقوط عدد من القتلى وساهم في استثارة كل المناطق والاهالي. حينها لم يعد من بد، وفق رؤية الحركة من إقالة مسؤول الامن في المحافظة عاطف نجيب والمحافظ فيصل كلثوم، وتم ابلاغ هذا الرأي الى السلطات السورية والاسد شخصيا مع ابداء مسؤولي الحركة ومنهم مشعل استعدادهم للعب دور اجتماعي وسياسي رئيسي في تهدئة الاهالي والذهاب الى درعا وريف دمشق والتكلم مع الناس هناك".

وكشفت المصادر ان الرئيس الاسد وفي آخر اجتماع له مع وفد "حماس" طلب من الحركة ان تصدر بيانا ترد فيه على الشيخ يوسف القرضاوي الذي هاجم السلطات السورية، وان الوفد رد: "يا سيادة الرئيس المشكلة اكبر من كلام داعية والرد عليه، وان العلماء لا يرد عليهم بل يرسل اليهم المبعوثون وعالم بحجم القرضاوي لا يناكف بالسياسة والتهجم العلني بل يتم التحاور معه حول الآراء التي طرحها".

هنا، اضافت المصادر ان الاسد قاطع نهائيا استقبال اي وفد من "حماس" وان الحركة التي حاولت جاهدة طوال عشرة اشهر فعل شيء لحل الازمة السورية، لم تيأس بعد مقاطعة الأسد لها، بل ذهب مشعل الى الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في بيروت واجتمع معه لمدة خمس ساعات ونصف الساعة على انفراد مؤكدا له ضرورة فعل شيء لوقف ما يجري في سوريا، متمنيا عليه لقاء الاسد ودعوته الى التخلي عن المعالجة الامنية واعتماد الحل السياسي، "باعتبار ان الحريق اذا كان صغيرا في غرفة من منزل فيمكن اطفاؤه بكوب ماء، ولكنه اذا امتد ليشمل سوريا كلها، فقد لا تكفي بحار الدنيا لاطفائه".

وأوضحت المصادر ان وجهة نظر نصرالله تطابقت مع مشعل وذهب بالفعل الى الاسد وعاد ليقول لمشعل ان الرئيس السوري موافق على الجهود التي تقوم بها الحركة، فعاد مشعل الى دمشق، ليستأنف المحاولات ولكنه لم يلتق الاسد، بل اصبح يلتقي أربعة مسؤولين هم فاروق الشرع ووليد المعلم وعلي مملوك وعبد الفتاح قدسية ويكرر أمامهم ان المطلوب اقناع صانع القرار بالتخلي عن الحل الامني والعسكري للازمة.

"وجميع المسؤولين الاربعة كانوا موافقين معه وكانوا يشجعونه ويريدون بأي طريقة ان يتم الحل السياسي".

وحسب المصادر، فإن ذلك يفسر بقاء العلاقة طيبة بين "حماس" و"حزب الله" وبين مشعل ونصرالله والتي وصفتها بانها "علاقة اخوة" رغم الظلال التي ألقت بها التطورات اللاحقة واختلاف طريقة التعامل مع الازمة السورية على هذه العلاقة.

أما انعدام اللقاءات المباشرة فسببه ان مشعل لا يدخل لبنان عبر مطار بيروت ولم يعد موجودا في سوريا ليذهب برا الى لبنان، علما ان قادة "حماس" يلتقون باستمرار قادة "حزب الله" ونصرالله شخصيا.

كذلك كشفت المصادر انه حتى "الاخوان المسلمين" كانوا مستعدين في البداية للقبول بإصلاحات، وقد طلب علي البيانوني ورياض الشقفة في مؤتمر بالخرطوم من قادة "حماس" حض الاسد على القيام باصلاحات، وهو ما تم نقله الى الاسد، لكن شيئا لم يحدث. الا ان المصادر اكدت ان مشعل وبعد سبعة اشهر على الازمة رفض طلباً ايرانياً بالذهاب الى "الاخوان" السوريين والتفاوض معهم من دون ان يكون لديه تفويض من الاسد، خوفا من الا يوافق الاخير على نتيجة قد يتوصل اليها مع "الاخوان".

هل كان من الممكن تفادي الازمة السورية لو اعتمد الاسد الحل السياسي بدل الامني؟ الجواب هو "نعم" قاطعة لدى قادة "حماس"، وفق ما ذكرت المصادر، التي رفضت تحميل مسؤولية ما حصل ويحصل الى المحيطين بالاسد، مشيرة الى ان الرئيس السوري "معتد بنفسه كثيرا وقليل الخبرة، وهذه هي النتيجة التي يؤدي اليها الاعتداد بالنفس وقلة الخبرة". وجزمت المصادر عينها بانه لو كان حافظ الاسد موجودا لتعامل بطريقة مختلفة ولادرك ان الوضع مختلف عن الثمانينات، كون الازمة الان تحصل أمام شاشات التلفزة في حين ان الاخبار في الثمانينات كانت تصل بعد ايام، كما ان ما حصل في تلك الفترة كان ضد فصيل واحد هو "الاخوان المسلمون"، ولا يستطيع فصيل واحد ان يهزم الدولة مهما كان حجمه في حين ان الازمة الآن تشمل كل فئات الشعب السوري.

وشبهت المصادر ما حدث في سوريا بالأب الذي لم يعتد من اولاده ان يقولوا له "لا"، ثم عندما ابدى احدهم اعتراضا على امر قام بصفعه على وجهه، "فالامور في سوريا كانت على هذا النحو منذ 40 عاما وفجأة خرج الناس للمطالبة بحقوقهم".

ومع ذلك، اكدت المصادر ان قادة "حماس" يظلون اوفياء للقيادة السورية لان الذي اعطتهم اياه لم يعطهم اياه احد. غير ان المسالة بالنسبة لـ"حماس" انها لم تعد مستعدة بشكل من الاشكال لتغطية ما يحصل. ويتلخص موقف الحركة حاليا بانها لا تتدخل في الشأن السوري.