عندما حذّر وزير الدفاع فايز غصن منذ أكثر من سنة من وجود "القاعدة" في لبنان وتحديداً في بلدة عرسال البقاعية، قامت الدنيا ولم تقعد ضده، وصولاً الى مساءلته في لجنة الدفاع النيابية والتهويل بطرح الثقة به. هبّ نواب التيار الأزرق يومها مدعومين من زملاء لهم قواتيين وكتائبيين، نصرةً لعرسال ورئيس بلديتها علي الحجيري، ومنعاً لدخول الجيش أو أي جهاز أمني البلدة، بحثاً عن مطلوبين بتهمة الإرهاب. أما اليوم، وبعدما تأكدت معلومات الوزير غصن، فهل يعتذر هؤلاء منه؟

ليس الإنفجار المزدوج الذي إستهدف االسفارة الإيرانية في لبنان وحده الذي يثبت أن "القاعدة" باتت موجودة داخل الأراضي اللبنانية. وليس تبني كتائب عبدالله عزام التابعة لتنظيم "القاعدة" هذا الإنفجار، هو الدليل الوحيد على نشاط هذا التنظيم في لبنان لا سيما في المناطق التي تشكل بيئة حاضنة له، بل هناك الكثير من التقارير الأمنية التي تؤكد أن وزير الدفاع كان على حق في تحذيراته، وهذا واحد من هذه التقارير.

ففي المعلومات المتوافرة، تبلّغ جهاز أمني لبناني منذ أقل من شهر عن تسلل حوالى 2000 مقاتل تكفيري قاعدي الى لبنان لينضموا الى الذين سبقوهم ويصل العدد الإجمالي لهؤلاء الى 10000 مقاتل، علماً أن هناك بين الأمنيين من يقول أن العدد وصل الى 15000 مقاتل. توزع هؤلاء بحسب التقرير المذكور بين طرابلس وعكار وعرسال. الغالبية الساحقة من هؤلاء المقاتلين تنتمي تنظيمياً الى جبهة النصرة ودولة الإسلام في العراق والشام المعروفة بداعش وقد تلقت التدريبات اللازمة في صفوف هذين التنظيمين. ومع تسلل العدد الأخير من هؤلاء المقاتلين تمّ تهريب كمية ضخمة من السلاح الخفيف والمتوسط إضافة الى القنابل اليدوية والمواد المتفجرة لإستعمالها في أي عملية إرهابية يصدر أمر العمليات بتنفيذها. أخطر ما جاء في نص التقرير الأمني، تمثل بالتهديد الذي وجهته قيادتا جبهة النصرة وداعش للأجهزة الأمنية اللبنانية وفيه أن أي عملية عسكرية قد تستهدف هؤلاء المقاتلين الموزعين بين طرابلس وعرسال وعكار ستؤدي حكماً الى تفجير لبنان من شماله الى بقاعه والمناطق اللبنانية الأخرى. ويتحدث التقرير الأمني أيضاً عن إجتماع عقد في الآونة الأخيرة بين ابو محمد الجولاني أمير تنظيم جبهة النصرة وقيادي بارز في دولة الإسلام في العراق والشام بهدف التخطيط لعمليات نوعية في كل من دمشق ولبنان.

إذاً "القاعدة" في لبنان، لم تعد نظرية محتملة أو إشاعة لم تتأكد بعد، هي الحقيقة التي ما زال البعض يرفض الإعتراف بها، والكارثة الكبرى عندما يكون هذا البعض مسؤولاً، أما الكارثة الأكبر فعندما يكون هناك فريق لبناني يأوي هؤلاء المقاتلين ويعتبر أن التعرض لهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه.