مدد مجلس النواب اللبناني المنتخب عام 2009، لنفسه دون اي اعتبار للشعب اللبناني المخوّل وحده توكيل نواب عنه كل اربع سنوات، عملا بالنظام اللبناني "الديمقراطي". كما غاب رئيس الجمهورية عن قصر بعبدا منذ ايام، مسلماً الكرسي للفراغ، دون ان يستطيع نواب الامة الكرام انتخاب رئيس جديد. اذا يعيش لبنان "الديمقراطي"، "دكتاتورية" مقنّعة تقضي بسرقة حق الشعب في انتخاب ممثليه حتى ولو عبر قانون "بالٍ" يعود لعام 1960، وعدم قدرة النواب على انتخاب رئيس يلبي طموحات اللبنانيين.

رغم كل هذا الواقع المخزي، سمعنا بين الامس واليوم كلاماً في لبنان ينتقد ​الانتخابات الرئاسية​ السورية، بغض النظر عن واقع هذه الانتخابات ومدى ديمقراطيتها وحريتها وعدالتها وما سينتج عنها، فهذا ليس في صلب نقاشنا، انما السؤال هو هل يحق للبنانيين انتقاد الانتخابات السورية في الوقت الذي يرضون فيه ان يُسلب منهم حقهم بالانتخاب؟

يرى الياس ان اللبناني غير مخوّل اختيار ممثليه لانه يفكر بعقليّة طائفية، وقبل ان يغيرها لا يحق له انتقاد احد في هذا العالم. أما محمد قليط فيعتبر في حديثه لـ"النشرة"، ان من حق كل سوري ان ينتخب من يراه مناسبا دون أي ضغط أو ابتزاز، انما العنصرية اللبنانية التي شهدناها كانت دليل على التناقض الفكري عند اللبناني بشكل عام، في حين أنه يجدر به النظر لحاله وهو مواطن في الدولة الوحيدة التي تتبنى النظام الديمقراطي في المنطقة فكيف ينتقد مسارا ديمقراطيا واضحا وصريحا.

من جهتها تسأل رولا بحسون "كيف لشعب ان ينتقد شعباً يختار رئيساً رغم كل المعاناة التي يمر بها، وكيف لشعب أن ينتقد آخر وهو لا يملك أدنى ما يملكه ذلك الشعب، وهو يعيش فراغا سياسيا و مجلسا ممددا لنفسه؟"، معتبرة في حديث لـ"النشرة"، انه عندما يصل الشعب اللبناني إلى مرحلة يستطيع فيها تغيير هذا الطاقم السياسي الذي أكل الدهر عليه وشرب عندها فقط يصبح باستطاعته ان ينتقد من يشاء. أما نعمت بدر الدين فترى انه "يحق للبناني ابداء رأيه في الانتخابات السورية والمرشحين بغض النظر عن وجهة نظره، لكن ليس في اطار التدخل بحق المرشح بمن ينتخب"، وردا على ما جرى في الساعات الماضية من استخفاف لبناني بالانتخابات السورية تسأل بدر الدين: "هل يحق للبناني اليوم انتقاد اي عملية انتخابية في العالم في الوقت الذي مدد مجلس نوابه لنفسه، وحرم مئات الالاف من حقهم في الانتخاب والعشرات من حقهم في الترشح وعدد كبير من النواب الذين فازوا بالتزكية منذ وصولهم للبرلمان وممارسة دورهم؟". وتضيف: "المشكلة اننا شعب عنصري نظن انفسنا اكثر ديمقراطية واكثر تحضراً من غيرنا، والاجدى بنا أن ننظر لحالنا قبل تصنيف الناس وديمقراطيتهم".

وفي نفس السياق يؤكد حسن جمعة انه لا يحق للبنانيين ان ينتقدوا او يستخفوا بالانتخابات السورية واي انتخابات اخرى، ولكن لهم الحق بتسجيل تحفظات عليها. ويقول في حديث لـ"النشرة": "اعتقد ان الشعب السوري موالياً للنظام او معارضاً له غير قادر على انتخاب افضل رئيس ممكن، والبلد غارق في حرب اهلية والمجازر ترتكب من قبل الطرفين، وبالمقابل لا يحق للبناني انتقاد هذه الانتخابات او انتقاد حرية الشعب السوري بالاقتراع لمن يريد".

اما عبد الرحمن فيشدد في حديثه على حق أي مواطن لبناني ان يعبر عن وجهة نظره المتعلقة بالوضع السوري ضمن حدود اللياقة والاحترام، لانه يؤثر على كل لبناني بشكل مباشر. ويضيف: "أما بشأن الانتخابات تحديدا فإن وجهة نظري تقول ان حلفاء النظام السوري وعلى رأسهم العماد ميشال عون ومن خلفه حزب الله هم المسؤولون عن تعطيل الانتخابات النيابية والرئاسية في لبنان، وبالتالي الاولى بقياداتهم وجمهورهم الانشغال بملء شواغر لبنان السياسية". بينما يرى شهاب جرادة انه كان ينبغي على اللبنانيين "ان ينتقدوا انفسهم سواء لعجزهم عن تنظيم انتخاباتهم او لعجزهم عن تنظيم انتخابات السوريين على ارض لبنان".

أخيرا ترى ميشا جاويش أنّ ما يقوم به السوريون في لبنان ليس عمليّة انتخاب، اذ لا خيار أمامهم سوى اختيار الرئيس نفسه مجدداً، وبالتالي كأنّها عمليّة "تزكية"، معتبرة أنّ الانتقاد لم يكن للعملية الانتخابية بل للسوريين المؤيدين للنظام الذين برهنوا بالامس أنّه باستطاعتهم العودة الى وطنهم وطلب الحماية من نظامهم الذي وسّع كما يشاع رقعة سيطرته على المناطق السورية، بدل اللجوء الى لبنان الذي لم يعد يتحمّل هذا التدفق ديمغرافيًّا، لافتة الى انه "بعد مشهد الامس لا يمكن ان نقول سوى انه كان بإمكانهم ممارسة "حقّهم" بطريقة حضارية خاصّة أنّهم ليسوا على أرضهم".

يختلف اللبنانيون بالسياسة وهذا امر طبيعي وديمقراطي، الا ان السماح بأن يسيطر هذا الخلاف على كل نواحي الحياة فهذا يحرم لبنان من فرصة التقدم الى الامام، ويضع العراقيل امام اي فرصة متاحة للتطور. ما شهدناه في الساعات القليلة الماضية من تأييد او انتقاد للانتخابات السورية لا يلغي واقع كوننا نعيش في بلد يتغنى بالديمقراطية وبذات الوقت محرومون من حقنا في الاختيار والانتخاب وإيصال رئيس للجمهورية الى قصر الرئاسة.

تقرير ​محمد علوش