يحاول الطفل إيهاب البحث عن لعبته التي كان يلهو بها قبل أن تدمر طائرات الاحتلال منزل والديه في منطقة الزنة شرق مدينة خان يونس، وتساويه بالأرض، وهو يتنقل بين الركام لكن محاولاته متعثرة، وبجانبه تجلس أمه ميسون على أنقاض ذات المنزل والدموع تنهمر من عينيها، أما زوجها فقد التحق بكوكبة الشهداء، وبقيت الأم والابن وأطفالها السبعة.

ساعات معدودة، تمكنت فيها الأم ميسون صلاح من الوصول إلى منزلها في منطقة الزنة شرق خان يونس بعد التهدئة الانسانية التي أعلنت عنها قوات الاحتلال واستمرت لـ12 ساعة في قطاع غزة، لتجد الاف العائلات في حي الشجاعية شرق غزة والزنة شرق وبيت حانون شمال غزة، لا أثر لمنازلها، حتى أنّ أحياء كاملة أُبيدت بالكامل.

حسرة ووجع..

ومع حلول عيد الفطر السعيد، خيّم الحزن على مختلف مدن قطاع غزة، وارتسمت الحسرة على وجوه المشردين في مراكز الإيواء بمدارس "أونروا" والذين فاق عددهم مئات الالاف، وغابت الابتسامة عن وجوه الأطفال والشباب والنساء، في وقت اختفت كافة مظاهر العيد من شوارع قطاع غزة مع دخول العدوان الإسرائيلي يومه الـ22.

تقول الأم ميسون لـ"النشرة: "دمروا بيتنا بالكامل، فقدنا كل شيء في حياتنا، كل شيء مدمر، لا يوجد معالم أصلاً للمنزل".

ورغم أن الأم ميسون أصبحت مشردة، وتحتمي هي وعائلتها من نيران القصف والمدافع في احدى مدارس الـ"اونروا" في خان يونس، إلا أنها لا زالت تبحث عن حياة بين ركام المنزل.

تضيف: "لم نستطع ان نأخذ أي شيء من محتويات ومقتنياتنا التي كانت داخل المنزل، أطلقوا الصواريخ على بيوتنا وقذائف المدافع انهالت على رؤوسنا، حتى ملابسنا وادواتنا، أصبحت ذكريات!".

زلزال!

أما الحاج أبو رائد صُبح، فيبدو حاله مختلفاً نتيجة الجرح والألم الذي أصابه وعائلته، بعد أن دمّرت الطائرات منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، يقول: "دخلنا على الحي وجدناه وقد أصابه زلزال، حتى أنني يمكن أن أصفه بتسونامي وأكثر، دمار كبير وهائل، المنازل كلها لم تعد موجودة، وقد دُمّر الحي بالكامل".

ورغم إنه تمالك مشاعره قليلاً إلا أنه لم يستطع الاستمرار، فأخذ يصرخ وجعاً وجُرحاً ويبكي: "ما هذا الدمار؟ ما هذا الاحتلال؟ دمروا كل شيء أطفالنا ماتت، نساؤنا ماتت، حسبنا الله ونعم الوكيل".

ويتابع لـ"النشرة": "أنا وزوجتي وأبنائي التسعة أصبحنا مشردين، بلا مأوى، ولا نعرف أين نذهب؟

لكن جاره سميح عيّاد، بدا صابراً وصامداً رغم ما أصابه وقد دمر الاحتلال منزله هو الآخر، فأخذ يقول له: "اصبر يا أبو رائد، نحن سنبقى ثابتون وصامدون فوق أرضنا، سنبني بيوتنا، وسنعيد الحياة فيها، صحيح دمروا كل شيء لكننا باقون، والله سنبقى".

وتابع لـ"النشرة": "الاحتلال جنّ جنونه، لأن المقاومة لقّنته دروساً لن ينساها في التاريخ، الحمدلله على كل شيء".

عيد الشهداء..

"هذا عيد الشهداء" بهذه الكلمات تحدثت ابتسام خليل، وهي أم لـ13 طفلة، عن العيد الذي حلّ اليوم على غزّة وهي مخضبة بدماء شهدائها، وجراحات أهلها الذين شُرّدوا على الطرقات وفي المستشفيات ومراكز الإيواء.

تقول لـ"النشرة": "لم نشعر بأجواء العيد، هذا عيد الشهداء، عيد الجراح والألم، لا نعرف ماذا نقول لأطفالنا الذين اعتادوا أن يفرحوا ويلبسوا الملابس الزاهية في العيد". وتتابع: "لم أستطِع أن أشتري لأبنائي أي من الملابس، كنا نصنع الكعك والمعمول وكانت رائحته تفوح في أحياء غزة، لكن الآن رائحة الشهداء هي التي تصدرت العيد".

الأم ابتسام لم تتمالك دموعها كما غيرها من كافة الأمهات اللواتي فقدن أحدًا، لكنها بدت صابرة رغم كل شيء فقالت: والله لو دمّروا وقصفوا كل شيء، واستشهد منا الكثير، سنصمد".

يبقى أن نشير، الى أن رائحة الموت التي تفوح مع صباح العيد في كل شبرٍ من أرض غزّة، لم تثنِ من عزيمة الغزيّين على مواجهة آلة اسرائيل الحربيّة بأجسادهم الحيّة، وبالأمل بغدٍ مشرق بالرغم من حجم المصيبة الكبيرة.