نصّت الفقرة (ج) من مقدمة الدستور: "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة". كما نصت المادة 24 منه: "يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقاً لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء".

ومن هنا، لا يختلف اثنان على أنّ تمديد المجلس النيابي لنفسه، في المرة الاولى ومحاولته لمرة ثانية، هو عملٌ مناقضٌ لمبدأ الديمقراطية إلى أبعد مدى، ومجاف لأحكام الفقرة (د) من مقدّمة الدستور: "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبــر المؤسسات الدستورية".

وحيال ذلك، فإنّ أعضاء المجلس النيابي لا يملكون سلطة التمديد لأنفسهم، وإنّ عملهم هذا غير مشروع ويشكل اعتداءً يستهدف تغيير دستور الدولة اللبنانية من نظام ديمقراطي الى نظام استبدادي. أضف إلى ذلك أنّ هناك فريقا من النواب "الممددين" ينادي بتعديل الدستور لجهة انتخاب الرئيس من الشعب. فان هذه الامور، وما رافقها من خروقات دستورية وتعطيل للانتخابات النيابية والرئاسية، تدل دلالة واضحة على أنّ الدستور قد أصبح ساقطا بعدم الاستعمال Desuetude خلافا لارادة الشعب صاحب السيادة. كما أنّ اقتراح تعديل الدستور (لجهة انتخاب الرئيس من الشعب) بالتزامن مع حالة عدم الاستعمال المذكورة هو كمن يطلب الشيء ونقيضه في آن معا. فضلا عن أنّ هكذا طلب مرفوض شكلا وبداهة لعدم وجود رئيس للجمهورية الذي بدونه يستحيل تطبيق خصائص المادة 77 دستور المتعلقة بتعديله.

اما من ناحية المضمون، فان فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب لا تتعارض مع قواعد الانظمة البرلمانية، ولكن في لبنان لا تجد هذه الفكرة ميدانا لتطبيقها بسبب تعددية الطوائف اذ قد لا ترضى هذه الطائفة او تلك بالخيار الذي تم في المرحلة الاولى من قبل الطائفة المارونية وبحجة ان الرئيس هو لكل لبنان وقـد لا ترى في المرحلة الثانية لانتخاب الرئيس ان حقوقها الميثاقية مؤمنة الامر الذي يتعارض مع ميثاق العيش المشترك المكرس في الفقرة (ي) من مقدمة الدستور الذي هو حياة لبنان، ثم ان الواقع المرير الذي مر به بلدنا ابان الحرب الاهلية لم يكن ليسمح بانتخاب رئيس من الشعب ما يعني ان النظام الدستوري الحالي هو اكثر مناعة بجوهره لاحتضان المجتمع اللبناني دون ان ننكر بان الدساتير تتطور تدريجيا ويعاد النظر بها مع تطور الأوضاع الاجتماعية.

وفي خضم هذه الاحوال الشاذة فان الشعب ـ بل كل مواطن ـ من حقه ان يثور ضد "النائب الممدد" دفاعا عن دستوره رمز حريته وسيادته واستقلاله وعزته ومجده وكرامته. ومن حقه ايضا ان يلاحقه جزائيا لاخلاله الخطير بدستور الدولة، ولا حصانة لنائب ضد الدستور اذ لا يجوز له مخالفته والتحصن به في آن معًا، ونأخذ ايضا على هذا "النائب الممدد" ان الخلافات السياسية حتى تلك المتعلقة بقانون انتخاب جديد لا تنهض سببا للتمديد على الاطلاق، اذ ان التمديد غير جائز الا في حالات نادرة تفرضها الضرورة القصوى التي لا سبيل الى دفعها كالفيضانات والزلازل والحرب الشاملة لجميع ارجاء الوطن غير المتوافرة إطلاقاً.

وفي الختام، لا محل للقول ان الوضع الامني في البلاد لا يسمح باجراء الانتخابات، فهذا كلام يدل على تراخي الطبقة الحاكمة في ادارة العملية الانتخابية ولو ليوم واحد! ويقيني ان شعب لبنان لا يهاب الموت من اجل ممارسة حقوقه الدستورية وهكذا ينبغي ان يكون فهذه مسيرته النضالية عبر التاريخ اما انتم او بعضكم فتستثيرون "التمديد" خوفــا على "مقاعدكم النيابية" من الانتخابات وليس خوفا على أمن الشعب الذي هو براء من خوفكم وامنكم.