لِمَ العجب؟

وأين وجهُ الغرابة والإستغراب في خيار الصفقة والتبادل من أجل إطلاق العسكريين المخطوفين؟

حين طُرِح المبدأ، قامت قيامة المزايدين، فبعضهم مَن رأى فيه أنَّه يمسُّ بمعنويات المؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي، وأنَّه لا يجوز التفاوض مع المسلحين، خصوصاً أنَّ الشروط التي يضعونها تتناول إطلاق موقوفين لم تتم محاكمتهم بعد، وبعضهم قام بأعمال في غاية الخطورة.

***

مهلاً، الملفُّ في غاية الخطورة والدقة والأهمية، ويستلزم التعاطي معه بدقة وروية بعيداً من الإنفعال لأنَّ هناك حياة بشر في الدقّ، ولأنَّه كذلك فهو لا يحتملُ الإرتجالية أو المزاح.

***

بدايةً دعونا نقول إنَّنا مع الشرعية ومؤسساتها العسكرية لأنَّ التجارب علَّمتنا أنَّ لا خلاص إلا من خلالها وعبرها، وما الموقف الذي نعلنه أو الآراء التي نقدِّمها أو التحاليل التي نعرضها، سوى محاولة متواضعة لبلورة ما يريد الرأي العام أن يُعبِّر عنه.

في موضوع صفقة التبادل، هناك أناس مَع وأناس ضد، لكن هل قامت هذه الجمهورية إلا على التبادل والصفقات؟

للمصادفة، مرَّت أمس الذكرى الرابعة والتسعين لإعلان دولة لبنان الكبير، وقد احتفل لبنان الرسمي بهذه الذكرى، ماذا كان هذا الحدث في التاريخ؟

ألم يكن صفقةً بين الدول العظمى آنذاك، وقضت تلك الصفقةُ بتبادل المصالح بينها؟

لو لم تكن لفرنسا مصلحة في تلك الصفقة، هل كانت أعلنتها؟

لو لم تكن بريطانيا رابحة فيها هل كانت سهَّلتها؟

إذاً صفقة تبادل أدَّت إلى إعلان لبنان الكبير.

***

ولنَعُد إلى الموضوع، هناك خياران لا ثالث لهما في تحرير العسكريين المخطوفين:

إما عمليةٌ عسكرية لتحريرهم، وهذا خيارٌ محفوفٌ بمخاطر قتلهم، وإما عمليةُ تفاوضٍ تحاول فيها الحكومة تحرير العسكريين في مقابل تلبية شروط المسلحين الذين يخطفون العسكريين، فأيُّ الخيارين يجب أن يُعتَمَد؟

***

ولنعُد إلى جمهورية الصفقات والتبادل:

ما هو الأمر في هذا البلد غير الخاضع للصفقات والتبادل؟

أليست إنتخاباتُ رئاسة الجمهورية صفقة تبادل مصالح؟

ولو لم تكن كذلك، لماذا تأخَّرت الإنتخاباتُ ولم تُجرَ في موعدها المحدد؟

أليس تشكيلُ الحكومة صفقة تبادل مصالح؟

ولو لم يكن كذلك، لماذا تأخَّرت عمليةُ التشكيل نحو سنة؟

أليست الإنتخاباتُ النيابية صفقة تبادل مصالح؟

ولو لم تكن كذلك، لماذا يتأخَّر القانونُ الجديد؟

وحتى بعد القانون، ألا يتمُّ تشكيلُ اللوائح وفق منطق الصفقات وتبادل المصالح؟

***

دلونا على شيءٍ واحد في هذا البلد يتمُّ تمريره ما لم يمر بنفق الصفقات والمصالح، أين؟

في التلزيمات أم في المناقصات؟

في التعيينات أم في التشكيلات؟

ألم يُنجَز ملفُّ العمداء في الجامعة اللبنانية وملفُّ التفرُّغ وفق صفقة تبادل مصالح بين الكبار؟

***

كلُّ شيء في البلد خاضع لمنطق تبادل المصالح والصفقات، وهذا ما قد ينطبق أيضاً على بند العسكريين المخطوفين لأنَّ الخيار الآخر غيرُ مضمون النتائج.

هذا هو بلدنا، هذه هي جمهوريتُنا، فلماذا الإستغراب؟