في غمرة الأحداث الأمنية التي تتعرّض لها الساحة المحلية من وقتٍ إلى آخر والتطورات الاقليمية الشديدة التعقيد التي تؤسس إلى أبعد من المشهد الراهن، تضج الصالونات السياسية بالحديث عن الاستحقاق الانتخابي وما يتصل به من إرباكات وضغوطات وأوراق يحاول كل فريق الاستفادة منها لتعزيز موقعه التفاوضي المفترض، خصوصًا أنّ أهل السياسية يعرفون جيّدًا أنّ القرار بشأن أيّ استحقاق داخلي مهما كان شكله بات مرهونًا بإرادة كبار اللاعبين ومصالحهم الاستراتيجية والحيوية التي لا تخلو في كثير من الأحيان من حسابات تتصل بإعادة توجيه البوصلة الاقليمية والدولية.

في هذا السياق، تعرب مصادر سياسية عن اعتقادها بأنّ الفريق الآذاري لا يبدو متحمّسًا بأيّ من شكل من الأشكال لإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها المقررة بالرغم من المأزق المحيط بأيّ خطوة تصبّ في خانة ​التمديد​ أو التجديد للمجلس الحالي الممدّد له أصلا بصورة مشكوك بأمرها والعاجز في الوقت نفسه عن الالتئام للبتّ بأيّ من الملفات الساخنة المطروحة على بساط البحث بما فيها إقرار قوانين تتصل بالعملية الانتخابية وآلياتها في ظل استمرار الانقسامات السياسية وعودة الاصطفافات بصورة غير مسبوقة، معطوفة على حسابات داخلية تتصل بالاحجام والاوزان المستجدة بعد عمليات الفرز السياسي الجديدة التي تسببت بها الاحداث الامنية الاخيرة التي انطلقت من طرابلس وامتدت إلى البقاع الشمالي من دون معرفة الافق المرسومة لها.

وتوضح المصادر أنّ لتيار "المستقبل" مثلاً حساباتٍ شعبية تتعلق بالبيئة الحاضنة له وما آلت إليه شعبيته بعد تمدّد تنظيمي "داعش" و"النصرة" وما يمتّ إليهما من حركات أصولية وتكفيرية داخل شارعه السياسي وسيطرتهما على المشهد الاقليمي بالرغم من الدراماتيكية الموصوفة له، فضلا عن أنّ التحضيرات لخوض أيّ تجربة سياسية من شأنها أن تعيد تركيب المشهد داخل الشارع السني غير كافية ولا تنذر بنتائج على قدر الاهمية التي يوليها اصحاب الشأن والقرار داخل التيار الازرق، ناهيك عن أنّ كلّ المؤشرات تؤكد على تراجع شعبيته وعلى أنّ الاحصاءات التي ينشط عقلاء التيار المعني على خطها لا توحي بأيّ شكل من الاشكال بعودته الى البرلمان وفق حجمه الراهن.

بدورهم، لا يبدو حلفاء "التيار الازرق"، لا سيما المسيحيون منهم، في حالة مستقرة تسمح لهم بإعادة إنتاج كتلهم ولو بصورة منقحة بل على العكس فإنّ أغلبهم يخشى على مصير تحالفاته العضوية بعد التراجع الذي يشهده شارعهم على خلفية مواقف سابقة دعمت الحركات التكفيرية وأسّست إلى دخولها ضمن المعادلة المسيحية وإن كان من زاوية سلبية تصبّ في خانة من يعتبرونه خصماً سياسيًا وحليفا لـ"حزب الله" المعني الاول بأيّ من الاستحقاقات الداخلية أكان على مستوى الرئاسة أم النيابة.

ولا تقتصر هذه الحسابات فقط على الفريق الآذاري بل تصل في الكثير من مفاصلها إلى حدّ التقاطع مع مصالح فريق الثامن من اذار وبعض مكوّناته التي يعول عليها لاعادة تركيب المشهد برمته، مع الاشارة إلى أنّ انشغالات "حزب الله" بالمعركة التي يخوضها ضد الارهاب في الأراضي السورية واللبنانية تحول دون حماسه لاجراء أيّ تعديل على الستاتيكو الراهن، علمًا أنه الوحيد القادر على إعادة إنتاج شارعه وبلورة قواعده من دون الخشية على مستقبله السياسي ولا من ترجمة المتغيرات الاقليمية وتوظيفها لمصلحته، غير أنّ حساباته المتعلقة ببعض الحلفاء تحول دون حماسته لاجراء الانتخابات النيابية وهذا ما يدفع بعض حلفائه لربط الانتخابات النيابية باشغال سدة الرئاسة أي تقديم الاستحقاق المسيحي الابرز على ما عداه.

استنادا الى هذه الحسابات، تعتبر المصادر عينها أنّ كلّ حديث أو ترويج للانتخابات النيابية لا يقع في مكانه الصحيح خصوصًا في هذه المرحلة التي يتقدّم فيها الأمن على ما عداه من انشغالات بما فيها الرئاسية.