اعتبر الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الى ان "التعليم المسيحي يتوجه إلى طلاب في المدارس ينتمون هم وأهلهم إلى هذه الفئات الثلاث. فبينهم الفرحان بإيمانه والملتزم بيوم الرب، وبينهم المؤمن بإخلاص والممارس موسميا، وبينهم المؤمن الفاتر الذي لا يشعر بالإيمان في قلبه، وبينهم غير المؤمن الرافض، وغير المؤمن الباحث عن سر الله. هذا يقتضي من معلم ومعلمة التعليم المسيحي الانتباه إلى كل واحد وواحدة من هذه الفئات الثلاث، والإصغاء إليهم والتواصل معهم، والتقرب منهم بحرارة القلب، ومرافقتهم على مثال المسيح الرب، ومساعدتهم بفن وصبر للبلوغ إلى الإيمان وعدم فرضه عليهم. فالإيمان عطية من الله تقبل في العقل وتحفظ في القلب ثم تنبثق منه. ذلك أن الإيمان حقيقة نقبلها في عقلنا فيخضع لها، وفي إرادتنا فتجسدها أفعالا ومواقف ومبادرات، وفي قلبنا فنحبها، ويتحول قلبنا إلى مركز حب ورحمة واحترام وخدمة وعطاء". وتطرق الراعي إلى ما "تعانيه اليوم بلدان كثيرة في الشرق الأوسط، من حروب ودمار وتهجير وظلم ونزاعات وإيديولوجيات تحارب الكنيسة"، معتبرا أن "ذلك يدعونا للصلاة. فالشرق الأوسط في أمس الحاجة الى إنجيل يسوع المسيح، إنجيل السلام، إنجيل الأخوة، إنجيل الوحدة بين أبناء العائلة البشرية".

وأكد خلال افتتاح الندوة الدولية عن "التعليم المسيحي في الشرق الأوسط، القضايا والتحديات في ضوء التبشير بالإنجيل"، التي تنظمها الهيئة الكاثوليكية للتعليم المسيحي في الشرق الأوسط وكلية العلوم الدينية والمشرقية في جامعة الروح القدس - الكسليك، أن "من أجل نجاح التعليم المسيحي في المدرسة ونقله من خلالها إلى الأهل والمجتمع، بات من الواجب استعمال تقنيات الوسائل البصرية - السمعية على أنواعها، وسائر وسائل الإعلام وتقنياته، كما يدعو إليها الدليل العام للتعليم المسيحي. فاستعمالها أضحى أساسيا في الكرازة بالإنجيل والتعليم الديني. والكنيسة تعتبرها الأريوباغس الجديد، والمنبر الحديث والفاعل لمخاطبة الجماهير، وتعتبر نفسها مسؤولة أمام الله، إذا لم تلجأ إلى هذه الوسائل المعطاة لها من العناية الإلهية. ما يوجب على معلمي ومعلمات التعليم المسيحي والعاملين الراعويين التزام معرفة هذه الوسائل والتقنيات وحسن استعمالها بكل مجالاتها وتقنياتها الجديدة، وإحراز الفن في نقل رسالة الإنجيل والسر المسيحي".

وأضاف: "يحدد دليل التعليم المسيحي، في هذا الإطار، المهمات الأساسية التي يقتضيها التعليم المسيحي، وهي خمس: تعزيز معرفة الإيمان، لأننا عندما نؤمن بالمسيح ونلتقيه، نرغب في المزيد من معرفته. نقبل عطية الإيمان، ونسعى إلى معرفة مضمونه، وإلى الولوج أكثر في تصميم الله الخلاصي، التربية على المشاركة في الأفعال الليتورجية الأسرارية، بفهم رموزها ومعانيها، وبممارستها بالصلاة والتوبة والشكر مع الجماعة المؤمنة، والتنشئة على الحياة الأخلاقية، لأن الإيمان بالمسيح والارتداد إلى الله، يقتضيان السير على خطى المسيح وأتباعه. إنها مسيرة "عبور من الإنسان العتيق إلى الإنسان الجديد بالمسيح"، بحسب تعبير القديس بولس (كول3: 10). فالكلمة الإلهية التي تعلن ويحتفل بها، هي إياها ينبغي أن تعاش، تعليم الصلاة والتأمل، على مثال المسيح الذي كان ينفرد للصمت والصلاة قبل كل عمل وبعده، وفي حالات العزلة والخوف أمام كأس الألم. فكانت صلاته تمجيدا للآب وشكرا والتماسا وتشفعا وثقة واتكالا على إرادته وطاعة لها. وعلمنا الرب صلاة "الأبانا" التي هي "مختصر كل الإنجيل"، تربية الطالب المسيحي على العيش في حياة الجماعة المؤمنة التي أصبح منتميا إليها بحكم معموديته، وعلى المشاركة في رسالة الكنيسة بقوة الميرون ومسحة الروح القدس: "روح الرب علي؛ مسحني وأرسلني" (لو 4: 18). وعلى هذا الأساس ينفتح هذا المسيحي على الآخر المختلف بالبعدين المسكوني على مستوى الكنائس، والحوار بين الأديان. والكل على أساس الحقيقة والمحبة".

وشدد الراعي في ختام كلمته على أنه "يقتضي على مدارسنا أن تجعل مادة التعليم المسيحي مادة أساسية كسائر المواد التعليمية، تعطى بانتظام ومسؤولية وجدية. فإنها جزء لا يتجزأ من مهمتها التربوية، بل هي أساس وجودها، وتعطي نفحة ومعنى لسائر المواد التعليمية الأخرى. ذلك أن المدرسة وجدت لكي تصقل شخصية الإنسان بكل مقوماته الحسية والروحية، العلمية والأخلاقية، الفردية والجماعية. إن مستقبل وطننا يبنى على مقاعد مدارسنا. ولذا، تدافع عنها الكنيسة بكل قواها، وتحافظ عليها بالرغم من كل مصاعبها ومصاعب الأهل الذين نقف بقربهم ونساعدهم بكل مستطاع، ضمانا للعائلة والمجتمع البشري والدولة.

ثم تلقى الراعي هدايا تذكارية من الوفود المشاركة في الندوة الآتية من ثلاثة عشر بلدا شرق أوسطي: لبنان، سوريا، فلسطين، قبرص، مصر، السودان، الأردن، العراق، الكويت، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، وترمز كل هدية إلى شعار كل بلد.