يعتبر القانون ركيزة أساسية لبناء الدولة، فمن دونه لا تستقيم الأمور، ومن هذا المنطلق يُعتبَر تطبيق القوانين أحد أهمّ واجبات مؤسسات الدولة وعلى الشعب أن يبقى تحت سقف القانون لأنّ تخطيه يسبّب له العقوبات. ومن هنا، لا بدّ للرأي العام أن يحكم على بعض الوقائع في ما يتعلق بمشروع إنشاء سدّ وبحيرة بقعاتة كنعان في قضاء كسروان وسد جنّة، حيث تشتبك الجمعيّات البيئيّة مع وزارتي الطاقة والمياه والبيئة.

حفر وشق طرقات وإنشاء مقالع

في ظل الحديث عن سد بقعاتة كنعان قضاء كسروان، يتحدّث المرصد البيئي التابع للحركة البيئية اللبنانية عن وجود أعمال قطع أشجار وحفر وشق طرقات وإنشاء مقالع وكسارات في المنطقة المذكورة، دون أن يكون تقرير تقييم الاثر البيئي مُتاحًا للاطلاع عليه، كما ينصّ قانون حماية البيئة الرقم 144 الصادر في 29 تموز 2002، والذي يؤكد في مادة منه على ضرورة "إجراء دراسات الفحص البيئي المبدئي للمشاريع التي قد تهدد البيئة بسبب حجمها أو طبيعتها أو أثرها أو نشاطها". وقد اتّهمت الحركة البيئية القيمين على المشروع بمباشرة الاعمال دون تنفيذ الدراسة المتوجبة لمشاريع السدود عملا بالمرسوم 8633 عام 2012، فتقدّمت حسبما علمت "النشرة" بإخبار لوزارة البيئة بتاريخ 17 حزيران الماضي للقيام بالاجراءات القانونية المطلوبة، فقامت الوزارة المذكورة بإرسال كتاب بتاريخ 1 آب 2014(1)، إلى وزير الطاقة والمياه ارثيور نظريان، من أجل التقدم بتقرير الاثر البيئي للمشروع وطلبت إيقاف الاعمال بشكل فوري حتى إتمام وتسليم الدراسة. وهذا ما لم يحصل(2)، كما يؤكد بيئيون لـ"النشرة"، كاشفين عن إنشاء كسارة في المكان المذكور تقوم بانتاج البحص. الاّ أن مستشار وزير الطاقة والمياه، المهندس زياد زخور ينفي وجود اي كسّارة في بقعاتة، مؤكدا أنّ الأعمال التي تجري في تلك المنطقة تقتصر على الحفريات الضرورية لانشاء السد. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "ان دراسة تقييم الاثر البيئي للسد المذكور قد لُزمت في العام 2004 وقُدمت لوزارة البيئة عام 2008 اي قبل صدرو مرسوم تقييم الاثر البيئي عام 2012". ويعتبر أنّ الحديث عن إعادة تكليف شركة استشارية لاعداد دراسة جديدة هو تضييعٌ للوقت والمال.

ويؤكد زخور أنّ الدستور اللبناني لم يعط لأي وزارة سلطة على وزارة أخرى، وبالتالي لا يمكن لوزارة البيئة أن تأمر وزارة الطاقة بوقف الاعمال، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ عدة اجتماعات عُقدت بين الوزارتين تم خلالها حلحلة جميع الامور العالقة وتوضيح النقاط المشوشة وتم الاتفاق بشكل كامل على كل المشاريع. وفي نفس الاطار، تؤكد مصادر قانونية لـ"النشرة" أنه، وإن كان الدستور لم يعط لأي وزارة سلطة على وزارة أخرى، إلا أنّ القانون أعطى اي وزير الحق باللجوء لمجلس الوزراء مجتمعا بحال تم رفض طلب وزارته من قبل وزارة ثانية، سائلة: "هل لجأ وزير البيئة الى مجلس الوزراء عندما لم تستجب وزارة الطاقة لطلبه؟"

سد جنة​.. ايضا

في 15 نيسان الماضي طلبت الحركة البيئية من وزارة البيئة الاطلاع على دراسة تقييم الاثر البيئي لمشروع "سد وبحيرة جنة" عملا بالمرسوم 8633/2012، بعد ان بدأت الاعمال فيه دون وجود دراسة واضحة متاحة للجميع حسب ما قالت الحركة البيئيّة. وفي 23 نيسان طلبت وزارة البيئة من وزارة الطاقة والمياه إرسال دراسة تقييم الاثر البيئي التي على اساسها بدأ العمل بالمشروع (وهذا مخالف للقانون الذي يفرض الاطلاع على الدراسة والموافقة عليها قبل مباشرة الاعمال). بعدها بأسابيع ارسلت وزارة الطاقة الدراسة التي أجرتها شركة "خطيب وعلمي" إلى وزارة البيئة، ليتبين للأخيرة أنّ الدراسة أُعدت عام 2008 وأنّ تعديلاتٍ طرأت على المشروع ما يستوجب إعادة الدراسة، فطلبت ذلك رسميًا من وزارة الطاقة في 20 حزيران بطلب حمل الرقم 1858/ب، ومن جملة ما طلبت في هذا الكتاب "وقف أيّ أعمال جارية في المشروع"، وإعداد دراسة تقييم أثر بيئي جديدة تقوم بها "شركة استشارية مستقلة نظرا لدقة وحساسية المشروع"، وهو ما يعتبر مستشار وزير الطاقة مشابهًا لوضع سد بقعاتة، معتبراً أنّ ما ينطبق على الأول ينطبق على الثاني أيضًا.

كما علمت "النشرة" من مصادر خاصة انه جرت مراجعة وزارة البيئة بخصوص الاعمال التي لم تتوقف يومًا في سد جنة، فكان الجواب بأنّ المستندات تُقدم على دفعات بشكل مخالف للقانون بشكل واضح وجلي. اضافة الى ذلك واستجابة للمراجعة القضائية التي تقدمت بها الحركة البيئية امام قاضي الامور المستعجلة في جبيل/ قرطبا بتاريخ 15 ايلول، صدر قرار عن القاضي بوقف العمل في سد جنة لأربعة ايام بدأت يوم الجمعة 19 ايلول وعيّن الخبير الجيولوجي سمير عرمان لإعداد تقرير بشأن الاعمال الجارية وتداعياتها ومدى مطابقتها للانظمة البيئية والسلامة العامة. وهنا تشير مصادر مطلعة لـ"النشرة" إلى أنّ الخبير عرمان هو موظف متقاعد في وزارة الطاقة وبالتالي ليس محايدا وهو قريب من احد طرفي النزاع، لافتة النظر إلى أنّ مهلة الاربعة ايام المحددة من قبل القاضي غير كافية على الاطلاق لاعداد تقرير حول مشروع بهذه الاهمية. كما علمت "النشرة" أنّ وزارة الطاقة لم تتبلغ القرار حسب الأصول القانونية أي عبر هيئة القضايا في وزارة العدل، بل إنّ ما جرى هو أنّ القاضي أرسل عناصر من قوى الامن الداخلي الى مكان المشروع وابلغت المتعهد بقرار وقف العمل.

وكالعادة فضّل وزير البيئة محمد المشنوق عدم الرد على تساؤلاتنا، فلا البريد الالكتروني الذي أرسلناه إليه أعطى نتيجة، ولا اتصالاتنا معه أثمرت جوابًا ولا حتى مع سكرتيرة مكتبه التي وعدتنا بالخير الّذي لم يأتِ بجواب.

هدفنا في صحيفة "النشرة" الالكترونية لم ولن يكون التشهير بأحد أو عرقلة مشاريع تنموية، بل محاولة العمل على جعل الأمور أوضح في عيون الشعب اللبناني، فالمشاريع التنموية مفيدة جدا وضرورية خصوصًا أن لبنان بحاجة ماسة الى سدود تحفظ مياهه دون أن يعني ذلك تهديد البيئة، لان ما يُدمَّر في النظام البيئي لا يمكن أن يُعاد بناؤه.

(1)كتاب ارسلته وزارة البيئة الى وزارة الطاقة في 1 آب وحمل الرقم 2617/ب عرضت فيه لعدد من الوقائع، وطلبت بموجبه "التقدم بدراسة تقييم اثر بيئي لتنفيذ اعمال مشروع سد وبحيرة بقعاتة كنعان-قضاء كسروان، وطلبت "الايقاف الفوري لكافة الاعمال في المشروع الى ان يتم تسليم الدراسة الى وزارة البيئة لابداء الرأي حولها، اذ ان استمرار العمل في هذا المشروع يخالف احكام المرسوم اعلاه وبالتالي ستجد الوزارة نفسها مضطرة لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لوقف العمل فيه، حتى تطبيق نصوص المرسوم رقم 8633 عام 2012.

(2)استطاعت "النشرة" الحصول على مقطع تلفزيوني استطاعت تصويره عن بعد بتاريخ 3 ايلول 2014، يُظهر اعمال الكسارة ويُظهر استمرار الاعمال في سد بقعاتة.