دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مجدداً على خط تسليح الجيش عبر المؤسسات الدستورية. لم يعد في إمكان لبنان رفض قبول الهبة الإيرانية لتسليح الجيش اللبناني بعد قبوله الهبات السعودية والأميركية والفرنسية التي تتراوح بين التسويف والمماطلة.

لم يعد أحد من القوى السياسية يجرؤ على وضع فيتو على تسليح الجيش. فأي فيتو يعني دعوة الجيش إلى الاستسلام أمام المجموعات الإرهابية في ظل عجز الخزينة عن تسليحه، لا سيما أنّ ارتهان الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس ميشال سليمان للإرادة الاقليمية والدولية أفقد لبنان أكثر من هبة إيرانية.

عرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الرئيس سليمان خلال زيارته طهران استعدادها لتزويد الجيش اللبناني بما يحتاجه من أسلحة لحماية أراضيه، حيث تركزت محادثات سليمان يومذاك مع الرئيس محمود أحمدي نجاد في عام 2008 حول التعاون الدفاعي والأمني، وقيل حينذاك إنه بموجب الاتفاق الأمني بين إيران ولبنان لمدة 5 سنوات، فإنّ إيران مستعدة لتزويد الجيش اللبناني بما يحتاجه.

أعقب ذلك طرح طهران على الرئيس سعد الحريري عندما زارها بصفته رئيساً للحكومة منذ نحو أربع سنوات موضوع تسليح الجيش اللبناني ومحاولة تذليل العقبات التي تعترض تسليحه من ايران، وصولاً إلى إبلاغ السفير الإيراني السابق لدى لبنان غضنفر رکن آبادي قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، استعداد بلاده التعاون مع الجيش اللبناني في أي مجال من شأنه مساعدة الجيش على أداء دوره الوطني في الدفاع عن لبنان، على ضوء دعوة سليمان البلدان الصديقة والشقيقة مساعدة الجيش اللبناني، إضافة الى تجديد ركن آبادي التأكيد إثر لقائه وزير الدفاع الوطني فايز غصن في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، "أن لا شروط لإيران في ما خص دعم الجيش"، داعياً غصن "إلى زيارة ايران والبحث مع المسؤولين في الاتفاقات المتعلقة بتقديم مساعدات للجيش".

لقد تلقى الايرانيون من الحكومة اللبنانية أجوبة على العرض الايراني العسكري، توحي بالقبول الضمني، وتحيل في الوقت عينه الأمر إلى "الدوائر المختصة" في واشنطن والرياض. لتمتنع بعد ذلك عن إبداء الموقف رفضاً أو قبولاً، نتيجة الفيتو الأميركي على تسليح الجيش من قبل الجمهورية الاسلامية، تحت ذريعة العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

وطأة التهديد حجبت عن الحكومة أنّ إحدى الهبات الايرانية كانت تتضمّن منظومة دفاع جوي مهمة جداً، ما دفع الجمهورية الاسلامية إلى الاقتناع بأن لبنان لن يقبل أي سلاح للجيش بإيعاز غربي وإقليمي. لم تسحب إيران العرض الا انها لم تعد تأتي على ذكره. غير انّ سياسيّي فريق 8 آذار سارعوا، مع إعلان سليمان، بعد انتهاء ولايته بنحو ثلاثة أشهر، عن تقديم السعودية هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار للبنان، عبر عقود مباشرة مع فرنسا لتسليح الجيش اللبناني، الى سؤاله: "لماذا لم تقبل الهبة الايرانية؟ فأنكر الرئيس سليمان علمه بها قائلاً: "لم يُعرض على الجيش أيّ هبة تسليح إيرانية طيلة فترة ولايتي كقائد للجيش ولا خلال ولايتي الرئاسية".

انزعج فريق 8 آذار من أداء سليمان. ولما هبطت هبة المليار دولار السعودية أثناء معركة عرسال في شكل ملتبس عبر الرئيس الحريري على لبنان، تحفظت بعض القوى السياسية على الطريق غير القانوني الذي سلكته الهبة والذي يمسّ بالدولة اللبنانية وبالمؤسسات، على رغم أنها تصبّ في خانة مصلحة الجيش.

ربّ ضارة نافعة، فعقب الموافقة الحكومية على هبة المليار دولار أقرّ مجلس الوزراء تحت ضغط من فريق 8 آذار، بالإجماع الموافقة على أي مساعدة للجيش اللبناني غير مشروطة من أي دولة باستثناء "إسرائيل".

وعلمت "البناء" من مصادر مطلعة أنّ قرار مجلس الوزراء هذا، تسرّب في شكل أو آخر الى الأروقة الدبلوماسية في لبنان. تلقف القرار في شكل رئيسي كلّ من الصين وإيران. بدأت بكين التي لديها مشروع هبة عينية للجيش اتصالاتها من المعنيين. لتأتي طهران بعرض جدي وجاهز للتنفيذ في أي لحظة يكون فيها لبنان على جاهزية للاستلام، عبر زيارة الأمين العام للمجلس القومي الإيراني علي شمخاني الى الرئيسين نبيه بري وتمام سلام.

أدركت الجمهورية الاسلامية أنّ تمييع العروض الايرانية من الحكومة اللبنانية انتهى. بعثت برسالة الى لبنان عبر شمخاني الذي يعدّ إحدى الشخصيات الرئيسية الخمس في مجال الأمن والدفاع في إيران، أعربت فيها عن نيتها مساعدة الجيش اللبناني في الحرب ضدّ الإرهاب، وتحصين الحدود ومنع امتداد الأزمة السورية الى لبنان، لا سيما بعد أحداث عرسال.

تبلّغ شمخاني أنّ نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، بعد دراسته حاجات الجيش، وقبول الحكومة بشكل رسمي الهبة، سيزور إيران الشهر المقبل للبحث مع وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة في الجمهورية الاسلامية الايرانية العميد حسين دهقان، في طبيعة المعدات والتجهيزات العسكرية المتطورة التي عرضتها الجمهورية الاسلامية وحاجات الجيش، لا سيما أنّ هبة 3 مليارات السعودية لا تزال متعثرة بفعل السمسرات والعمولات بين الولايات المتحدة وفرنسا، والهبات الاميركية والفرنسية لتسليح الجيش لا تتعدّى المعدات التقليدية.

لقد كان تسليح الجيش الهدف الرئيس لزيارة شمخاني بيروت، إلا أنّ جولته على لبنان وسورية، ولقاءيه مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، هما في سياق استراتيجية محكمة لمواجهة انتهاكات التحالف الدولي، وتنسيق الرؤية لمحور المقاومة والممانعة.