خلال الأيام الماضية، عبّر أكثر من عضو في مجلس الشيوخ الأميركي، عن إقتناعهم بأن الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي، في سوريا والعراق، لن تقضي على الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

هذا الأمر ليس بجديد فقد أكده أكثر من خبير عسكري منذ ما قبل بدء عمليات التحالف فعلياً، لكن اللافت هو بدء الحديث جدياً عن ضرورة الاستعانة بقوات برية تحقق الأهداف المرجوة، بدل الذهاب إلى التنسيق مع جيوش دول المنطقة، القائمة فعلياً.

من هذا المنطلق، يمكن فهم الإصرار الأميركي على دعم العشائر العراقية، والذهاب إلى تدريب من تسميهم بـ"المعارضة السورية المعتدلة"، والإنفتاح مؤخراً على حزب "الإتحاد الديمقراطي" في سوريا، على الرغم من إنزعاج الحكومة التركية من ذلك، حيث تدرك الولايات المتحدة أن دعم الجيوش النظامية يعني إستفادة الدول المركزيّة منه، في حين أن دعم المكوّنات الإجتماعية المختلفة يُمَكِّنُها هي الإستفادة منه.

من وجهة نظر الخبير الإستراتيجي العميد الركن المتقاعد أمين حطيط، تسعى واشنطن في هذه المرحلة إلى حجب الطبيعة الوطنية والقومية عن الدول القائمة، وهي من أجل ذلك تُقدم على دعم بعض المليشيات ضمن إستراتيجية الإستثمار في الإرهاب، القائمة على إستخدامها المضبوط له، أي أن "داعش" يستطيع الذهاب إلى الموصل لكن لا يمكنه الذهاب إلى أربيل، في المقابل تقوم هي بدعم بعض المكوّنات التي تريد منها مواجهته.

حتى الآن، لم يتخذ قرار بإعادة النظر بالحدود الجغرافية للدول القائمة في المنطقة، بل بطبيعة الأنظمة التي تحكمها، أي أن المطلوب إعادة البناء على أسس متناحرة مذهبياً وعرقياً. ويعتبر العميد حطيط، في حديث لـ"النشرة"، أن الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة راسخة بأن قرارها في إدارة حرب استنزاف طويلة في الشرق الأوسط هو الأفضل والأكثر ربحيّة لها من كل القرارات والاستراتيجيات التي اعتمدتها منذ ثلاثة عقود، ويشير إلى أن هذه الحرب توفر لها في العقد المقبل فرصاً تحتاجها على الصعيد الاقتصادي المالي، كما على الصعيد السياسي الاستراتيجي، وقبل كل شيء الأمني العسكري.

من جانبه، لا يعتقد السفير اللبناني الأسبق في واشنطن رياض طبارة أن السياسة الأميركية، في هذه المرحلة، تنطوي على مؤامرة كبيرة من هذا النوع، فـ"هم لا يفكرون بتشكيل دويلة هنا أو هناك"، ويشير إلى أن هذه الخطة الإسرائيلية القديمة لم يتم تبنيها من قبل الولايات المتحدة، حيث سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تقوم على مجرد "إلتقاط الأنفاس" كون خطته جاءت متأخرة جداً.

ويوضح السفير كبارة، في حديث لـ"النشرة"، أن تعامل أوباما مع المكونات الموجودة يعود إلى غياب البديل الفعلي، فهو لا يستطيع التنسيق مع الجيش السوري الذي يرفض الإعتراف بشرعيته، ولا مع الجيش العراقي الذي بات يمثل المكوّن الشيعي بعد ترك المكوّن السني له، ومن هنا كان الحديث مجدداً عن دعم العشائر أو الصحوات، وهو اليوم بحاجة إلى من يتعامل معهم إلى حين تجهيز مشروعه، فهو يخطط لتقوية "القوى المعتدلة" في المعارضة السورية من خلال تدريبها وتسليحها وتجفيف منابع التمويل للتنظيمات الارهابية، لكن هذا المخطط يحتاج ما بين 6 و8 أشهر كي يتفاعل على الأرض.

في المحصّلة، لا تجد الولايات المتحدة نفسها، في هذه الأيام، قادرة على التعامل مع دول قائمة، وتفضل التنسيق مع مكونات إجتماعية فاعلة مع ما يحمله ذلك من مخاطر، لا سيما أن هذه الأخيرة قد تراهن على هذه العلاقة من أجل تحقيق أهدافها، بينما الدول تبحث دائماً عن مصالحها المتقلّبة.