... وإن لم تكن في يده حيلة، فإن كلمة منه من قبيل “عدم مباركة التمديد” كفيلة بخلط الأوراق وإحراج المسيحيين لا بثنيهم عن حضور جلسة التمديد أو التصويت لصالحه. فهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الطبخة جيدًا حتى منذ ما قبل لقائه الرئيس سعد الحريري في روما. فهم أن رياح تشرين الثاني لن تسير كما يشتهي شراعاه الرئاسي أولاً والنيابي ثانياً.

إذا كان العمل في بكركي لتلافي التمديد متأخراً وغير مجدٍ حتى لو أتى تدخلها مبكراً، فإن الدفع في اتجاه إنهاء الشغور الرئاسي لن يتوقّف، بحيث أن سيّد الصرح لن يأخذ على نفسه تسويغ ارتكاب “خطيئتين” في يوم واحد: تمديد غير دستوري لمجلس مُمدِّد لنفسه أصلاً، وحصول مثل هذا التمديد في جلسةٍ تشريعيّة تستغيب رئيس البلاد. فهل يكون لصوت الكاردينال تأثيرٌ إن لم يكن على مستوى إبطال التمديد أقله على مستوى تأخير وقوعه؟ أم أنه مجرّد صوتٍ بلا صدى كما سلفه الرئاسي؟ وهل يهزّ هذا الموقف الكتل المسيحية؟

لن يمرّ مرور الكرام

لن يمرّ رفض الراعي التمديد مرور الكرام أقله في الكواليس السياسيّة المسيحية التي بدا موقفه بالنسبة الى بعضها وكأنه “نكران” لأبناء العباءة المارونية الذين سيجرأون على القول “نعم” للتمديد أو للذين سيشاركون في صناعته بموقفٍ باهتٍ من قبيل تمرير النصاب وعدم التصويت له. أغلب الظنّ، أحرج الراعي أبناء الكتل المسيحيّة الذين سيتوجهون الى البرلمان قريباً لإعلان ارتكابهم أو مشاركتهم في ما تنظر اليه بكركي على أنه “جريمة” في حق الديمقراطية والدستور. وإذا كانت الرابية لا تجد في هذا الموقف إحراجًا نظرًا الى تأكيد تصالحها مع فكرة اللاتمديد وتوجّهها الى الطعن فيه، فإن مسيحيي 14 آذار “بالجملة والمفرّق” سيعيدون النظر في موقفهم شبه السلبي من التمديد لا سيّما بعد رسوّ المعادلة بشكل أولي على المشاركة في الجلسة ولكن مع الامتناع عن التصويت إرضاءً لضغط الحلفاء (تيار المستقبل) الذين يريدون التمديد أكثر من سواهم واليوم قبل الغد. أما أكثر تحديدًا، فيبدو حزبا القوات والكتائب على السواء متصالحيْن في العلن مع ما قاله الراعي وإن كانا يؤثران عدم التعليق راهنًا كي تتبلور صورة التمديد وتخريجاته أكثر حينها فقط يتبنيان موقفاً يُظهَّر وكأنه ابنُ ساعته ووليد المباغتة الزمنية. علمًا أن كليهما لا يترددان في تصويب سهامهما على التمديد والدعوة الى إجراء انتخاباتٍ في موعدها.

... لثلاث ضرورات

لا يريح كلام الراعي فريق 14 آذار وهو الذي ظنّ في قرارة نفسه أن الحريري همس في أذن الكاردينال في روما بحكاية التمديد وخرج من مقرّه البطريركي حاملاً بركته ومباركته للتمديد المزعوم. خيّب الراعي من مطار بيروت ظنّ هؤلاء، صوّب على التمديد لثلاث ضروراتٍ: أولاً لقناعته بأنه غير دستوري. ثانياً، لتمسّكه بانتخاب رئيسٍ للجمهورية قبل المضي في أيّ خطوةٍ برلمانية سواء كانت انتخاباً أم تمديداً. وثالثاً، حرصًا على تصالحه مع نفسه لجهة رفضه المبدئي لكلّ أنواع الإخلال في الحياة الديمقراطية اللبنانية بدءًا بالفراغ القسري وصولاً الى التمديد القسري. ولكن ألا يُخشى السقوط في فراغيْن؟ تؤكد مصادر كنسيّة عبر “صدى البلد” أن “الراعي لا يعنيه التمديد لمجلس النواب ولكنه يرفض كلّ ما يناقض الاستحقاقات الدستورية وكان واضحًا في كلامه الأخير. هؤلاء النواب الذين يريدون التمديد هم أنفسهم الذين لا ينتخبون رئيسًا للجمهورية وبالتالي ما النفع من التمديد طالما أنهم لن ينتخبوا رئيسًا. ثمّ لمَ سنتخوّف من فراغٍ على مستوى مجلس النواب فيما سنقبل بأن يكون هناك فراغٌ على مستوى رئاسة الجمهورية؟ هل لأنه مسيحي؟”.

الوقت متأخر للصحوة

وما إذا كانت بكركي تعوّل على أن تعيد الكتل المسيحية الكبرى النظر في أي قرارٍ ستتبناه سواء على مستوى النصاب أم التصويت تؤكد المصادر أن “الوقت بات متأخراً لمثل هذه الصحوة، فالقرار اتُخِذ وهو أكبر من هذه الكتل. والرئيس الحريري حضر الى روما ليعطي الراعي علمًا وخبراً بأن التمديد أصبح واقعًا عله يحصل منه على تغطيةٍ إلا أن البطريرك لم يمنحه هذا الغطاء وفرض الملف الرئاسي أولويّةً مطلقة. كلّ ذلك لا يجدي نفعاً لأن التمديد سيحصل ولكن لن تُسجَّل على الكنيسة وعلى الراعي تحديداً مباركتهما للتمديد ورعايته”. ألا يغامر الراعي بفراغين؟ تتلقف المصادر: “الراعي يؤمن أن ما زال هناك بعض الوقت قبل انتهاء صلاحية مجلس النواب لذا فليتفضّل النواب ويبادروا الى انتخاب رئيسٍ وليمددوا بعدها إمهالاً لفرز قانون انتخابي عادل. حينها فقط قد يجوز التمديد الموقّت في حضرة رئيس البلاد”.

... وبعدها فخّار “يكسّر بعضو”

إذاً، رفضُ الراعي مبدئيٌّ بامتياز وإن كان يهدّد بإسقاط الصفة الميثاقية “معنوياً” عن المجلس المُمدِّد لنفسه. ذاك الرفض الذي يهدّد بخلط الأوراق في الصفوف المسيحية وهو ما دفع ببعض الحلفاء الى تشغيل هواتفهم لجسّ النبض، قد لا يعدو كونه ورقةً جديدةً من أوراق الصرح الضاغطة في اتجاه انتخاب رئيس وبعدها “فخّار يكسّر بعضو”.