وقّع الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأيّام القليلة الماضية ميزانية المصاريف العسكريّة الأميركية لعام 2015، والتي بلغت 578 مليار دولار، موزّعة بجزئها الأكبر على وزارة الدفاع (496 مليار)، وعلى أنشطة وزارة الطاقة في ميدان الأسلحة النوويّة (18 مليار)، بينما خُصّص المبلغ الباقي، والذي يبلغ 64 مليار دولار، لتمويل مختلف العمليّات العسكريّة الأميركيّة الخارجية في كلّ من العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها. وقد إعتبر خبراء غربيّون في مجال الأمن أنّ المبلغ المُخصّص للعمليّات الخارجية محدودٌ نسبة إلى طبيعة المهمّات المُنتظرة من الجيش الأميركي في الدول التي تشهد إضطرابات عسكريّة وتدخّلاً مباشراً لواشنطن. وأجمع أكثر من خبير على أنّ هذا المبلغ لا يكفي لتمويل أيّ مهمّات واسعة النطاق للجيش الأميركي في الخارج، حيث أنّه يمثّل ميزانية الحد الأدنى لتمويل الغارات الجويّة المُستمرّة ضدّ تنظيم "داعش" الإرهابي وباقي التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة(1)، ولتنفيذ برنامج التدريب الخاص بوحدات عسكريّة تُصنّفها واشنطن ضمن "قوى المعارضة السوريّة المُعتدلة"، وكذلك ضمن القوى العراقية والكرديّة الحليفة في العراق، ولتوفير ملاذ آمن لما تبقّى من قوى عسكريّة أميركية في أفغانستان، إلى آخره. وتوقّع الخبراء عينهم بالتالي، أن تكون السياسة العسكريّة الأميركية خلال العام 2015 مشابهة لما كانت عليه في العام 2014، لجهة الحركة البطيئة، وعدم التورّط بأيّ نزاع إلا بشكل محدود ولمصالح محصورة جداً.

وكان لافتاً أنّه في مقابل تراجع ميزانيّة الدفاع العسكري الأميركية، والتي هي الأكبر والأضخم على الإطلاق في العالم أجمع، تمّ تسجيل زيادة كبيرة في ميزانية النفقات العسكريّة المرصودة لعام 2015 في ​روسيا​ الإتحادية، بلغت نسبتها 33 % مُقارنة بما كانت عليه في العام 2014، وذلك على الرغم من الوضع الإقتصادي السيء في روسيا. وقد رأى الخبراء المُتخصّصون بالمجال الأمني، في الخطوة الروسيّة المذكورة، قراراً حازماً من موسكو بمواجهة الضغوط التي تتعرّض لها على خلفيّة أزمة أوكرانيا. وقد منحت وزارة الدفاع الروسية، من خلال تخصيص ما يُوازي نحو 83 مليار دولار أميركي (بحسب سعر الصرف الحالي للروبل الروسي) للأنشطة العسكريّة في العام 2015، "ضوءاً أخضر" لتعزيز القدرات القتالية الروسية في مواجهة الدول الأعضاء في "حلف شمال الأطلسي"، وذلك في كل من دول البلطيق وشرق أوروبا وفي محيط شبه جزيرة القرم، علماً أنّ القيادة الروسية أمرت بتحديث الكثير من الصناعات العسكريّة لهذا الغرض. كما أكّد الخبراء أنّ هذا الأمر يؤكّد أيضاً أن لا نيّة لأيّ تراجع روسي للدعم المُقدّم للدول الحليفة في الشرق الأوسط، وفي طليعتها ​إيران​ وسوريا، في المدى المنظور.

وبالإنتقال إلى إيران، فإنّ الميزانيّة التي قُدّمت إلى البرلمان ترصد إعتمادات ضخمة للحرس الثوري وللمؤسّسات الأمنيّة من أصل إجمالي مصاريف تعادل نحو 293 مليار دولار أميركي. وتنصّ هذه الميزانية التي رفعها الرئيس حسن روحاني إلى البرلمان على زيادة الإنفاق العسكري بنسبة 33 %، لتبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار أميركي، علماً أنّ الكثير من مصاريف "الحرس الثوري" و"قوّات الباسيج" و"فيلق القدس" تبقى سرّية الطابع ولا تلحظها الميزانية. ورأى أكثر من خبير أمني أنّ رفع المصاريف الحربيّة في إيران، في الوقت الذي بدأت طهران تعاني فيه من إرتدادات إنخفاض أسعار النفط، يدلّ على عزم القيادة الإيرانيّة على مواصلة سياسة المواجهة التي تعتمدها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وعدم رغبتها بإظهار أيّ ليونة أو تراجع، خاصة عشيّة الإنطلاقة الجديدة للمفاوضات مع دول الغرب بشأن الملفّ النووي.

ومّما تقدّم، يُمكن القول إنّ الأوضاع العسكريّة العالميّة مُرشّحة لأن تكون في العام 2015 شبيهة إلى حدّ بعيد بما كانت عليه في العام 2014، حيث يتواصل التراجع والتلكّؤ الأميركي في مقابل تواصل الهجمة الروسية-الإيرانية في أكثر من مكان وموقع في العالم.

(1)تبلغ كلفة الغارات الجويّة الأميركية ضد مسلّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" والجماعات المُشابهة (تحليق الطائرات والصواريخ)، وكذلك كلفة كل القوى اللوجستيّة (غرف العمليّات، وقواعد الإنطلاق، ومراكز القيادة والتوجيه والإستعلام، إلى آخره) 8,3 مليون دولار أميركي في اليوم الواحد.